المرأة والنَّجاح والتَّحديات التي تواجه ذاك النَّجاح أصبحت محط العديد من الدِّراسات الاجتماعية والنَّفسية، وقيل في إحدى الدِّراسات لمعهد سيبراي البرازيلي أنَّ النَّجاح منذ غابر الأزمان كان رديفًا للرَّجل مختصًا به، ولكن في الآونة الأخيرة ومنذ عشرين سنة تقريبًا بدأت تلك المفاهيم المتعلِّقة بنجاح الرجل تميل للانحسار، فبدأ ظهور مفهوم المرأة النَّاجحة، وفي دراساتِ نفسيَّة ثبَت أن النَّجاح أصبح قضية مصيريَّة عند المرأة أكثر منه عند الرَّجل، فبدأت المرأة تثبت نجاحها وتفوقها وتقدمها في العديد من المجالات المهنية والحياتيَّة، وفي حال وصول المرأة للتَّفوق والنَّجاح في حياتها فإنها ستعاني الكثير من أجل الحفاظ على هذا التَّقدم، على عكس الرَّجل الذي ربما لن يبذل من المجهود إلا الشيء القليل مقابل ما تبذله المرأة، وذلك لأن المجتمع قد اعتاد على عدم الاعتراف بنجاح المرأة ووضع في طريق نجاحها العديد من المعوِّقات والتَّحديات. حيث كثيراً ما نسمع عن رجال ناجحين في العمل، وكثيراً ما نقرأُ في كتب النجاح قصصاً لأعداد كبيرة من الرجال الذي وصلوا إلى قمم النجاح والتفوق، ولكن قليلاً ما نسمع عن نساءٍ ناجحين في أعمالهم، وقليلاً ما تُذكر الأسماء النسائيّة في قصص النجاح المهني، فما هي العوائق التي تمنعُ المرأة من الوصول إلى قمم النجاح التفوق؟
فبالتأكيد واجهتك هذه المجموعة من المعوقات أهمها ما يلي:
1. السيطرة الذكورية في أغلب المراحل الدراسية التي نمر بها، نجد الفتيات متفوقات، نتذكر أنفسنا وزميلاتنا، وكيف كنّا قادرات على أن ننجح في دراستنا ونتمكن من الظهور والحضور، ولكن غالبا ما يتم التعامل مع تعليمنا ومنحنا الفرص كواجب يمكن سحبه في أي وقت، من أجل أي رجل، أيا كانت درجة تفوقنا وقدرتنا على النجاح. طبيعة المجتمعات العربية طبيعة ذكورية، تفضل الرجل بشكل عام عن المرأة، إذا كانت الأسرة فقيرة ولن تتحمل أعباء تعليم الأطفال، فالولد هو الأولى بالتعليم، والأحق بفرص العمل، والأجدر بالحقوق والمميزات، هو الاختيار الأول في الحصول على الوظائف، وتولي المناصب.
2. المنع، هو واحد من أهم معوقات النجاح التي تواجه السيدات العربيات، فرغبتها في أن تعمل وتنتج وتطور من نفسها، من الممكن أن يقابلها منع الأهل أو تحكم الزوج، دون وجود ما يحمي رغبتها ويراعي استقلالها، على العكس، يساند المجتمع ضغوط الأهل على الفتيات والنساء العربيات، ويُزيد عليها ضغوط أخرى، فغالبا ما نجد الأب أو الأم يرفضان أن تعمل ابنتهما، أو يمارسان الإجبار على رغبتها، لتظل "لا" تلاحق أغلب الفتيات والسيدات في العالم العربي.
3. الخوف بسبب المنهج والأسلوب الذي تتبعه أغلب الأسر والعائلات العربية، ينشأ خوف تلقائي داخل نفس كل فتاة، فتخشى أن تأتي بأي فعل يجعلها موضع للوم والتأنيب، كونها اعتادت أن تكون دوما المذنبة.
حيث كل ما يحيط بالفتيات في المجتمعات العربية يقلل من قدراتها، ويجعلها تخاف التجربة والتحدي، ويقوض من مهاراتها، كما أنه يجبرها دون رغبة منها على أن تخشى كل شيء، حتى نفسها، فتفقد الثقة في قدرتها على إنجاز أي عمل، ويترسخ داخلها الشعور بأن وجودها ينحصر في تلبية رغبات الآخرين.
4. تجاهل إنجازاتها عندما تتحدى الفتيات والسيدات مختلف العوائق التي تمر بها، وتبدأ في اتخاذ خطوات فعلية نحو العمل على إنجاح مشروع خاص لها، أو حتى محاولات إثبات قدراتها داخل مكان عملها، يتم التعامل مع هذه الإنجازات التي تحققها بكثير من التجاهل، فلا يتم الالتفات إلى ما تقوم به، ولا يتم الإشادة بها أو التعامل بالاحتفاء المناسب الذي يمنح غيرها من النساء الأمل بأنه يمكنهن أيضا أن ينجحن مثلها، فنجد دوما المتحدثين في الشركات رجال والمديرين أيضا رجال، ومن يقومون بالصفقات رجال. وحتى على مستوى الأسرة، يظل عملها وإنجازاتها التي تحققها قليلة ولا يتم الاعتداد بها، فالإنجاز الذي تحققه المرأة بالنسبة للمجتمع هو أن تتزوج وتلد، ولكن حصول أي رجل على ترقية بسيطة، أو قدرته على الإنفاق على نفسه ومراعات متطلبات منزله يجعله في مصاف الرجال المحترمين، الذين يجب تقديرهم، رغم أن ما يقوم به طبيعي وبديهي.
5. أماكن عمل غير آمنة واحدة من أهم المعوقات التي تواجه كل سيدة عربية تخرج من منزلها، لتعمل وتحقق ذاتها، هو "التحرش" الذي بات يعشش في كثير من أماكن العمل. العنف ضد المرأة واضح في المجتمعات العربية بصورة كبيرة، داخل المنزل وخارجه، ولذلك وجوده في مكان العمل نتيجة طبيعية لعدم محاسبة المتطاولين على النساء في كل مكان في الوطن العربي. أن تجد المرأة مكان عمل لا يحترمها، ولا يوجد به ضوابط واضحة للتعامل مع أي تعدي على حريتها الشخصية وحقوقها، يكون ذلك كفيل بإرغامها على التراجع والبقاء في المنزل، خاصة، مع الاعتقاد السائد بأنها دون حماية، فأغلب أماكن العمل في الدول العربية لا توجد بها قوانين واضحة للتعامل مع التحرش أو التطاول، ولا توفر بيئة آمنة للسيدات والفتيات.
6. تقييد دورها من الأمور التي يمكنها أن تعيق نجاح المرأة في المجتمعات العربية، عندما يعتقد المحيطون أن عملها يقتصر على مجالات معينة لا يمكنها أن تؤدي غيرها، وأغلبها ينحصر في التدريس أو العمل في الوظائف الإدارية المحدودة، كأنها كائن بلا طموح أو شغف، في حين يمكنها أن تنجح في قيادة الطائرات، أو غيرها من المهن، فاختيارها للمجال الذي تبرع به يعتمد على اختيارها البحت، الذي قد لا يقدره المجتمع أو يتعامل معه بجدية.
7. التهميش والتقليل "ارجعي المطبخ" الجملة التي تلاحق كل سيدة تقرر أن تبدي رأيها، أو تفصح عن إنجازاتها، في رغبة واضحة لتهميشها والتقليل من الدور الذي تقوم به في مكان العمل، أو المشروع الذي تريده، مما يثبط من عزيمتها ويهزم قدرتها على النجاح والمثابرة، ويتم التعامل مع وجودها في المؤسسات وأماكن العمل، على الأغلب، كأنها ديكور، ويتم توكيل الرجال بجميع المهام على اعتبار أن ذكوريتهم تجلعهم أفضل، ليقتل ذلك طموحها ورغبتها في التطور وإثبات نفسها.
8. إلزامها وحدها بواجبات الأسرة بسبب إلزام النساء وحدهن بأمور المنزل وتربية الأطفال، يُضاعف ذلك من العبء الذي تحمله، ويقلل من فرص تطورها واختيارها من أجل تولي المناصب أو أداء المهام، رغم أن الأطفال والمنزل مسئولية مشتركة للزوج والزوجة، ويجب تقسيم أدائها على الطرفين، ولكن تُرسخ المجتمعات العربية لفكرة أن الزوجة والأم مسئولة وحدها دون غيرها، وأن تعارض عملها مع مهامها يعني أن تتخلى عنه فورا من أجل المنزل والأسرة.
9. عدم توفر ما يراعي احتياجاتها، لا توفر أغلب أماكن العمل في الوطن العربي الظروف التي تُسهل عمل المرأة، فلا يوجد حضانات للأطفال ولا يتم تفعيل القوانين التي تراعي فترات الولادة وإجازات الأمومة، ليقلل ذلك من فرص تطورها وإمكانية ترقيها، أو يضطرها للضغط على نفسها بشكل مبالغ به من أجل أن تكون قادرة على تنافس وتثبت جدارتها، وتنجح.
10. النساء أنفسهن، بات شعار "المرأة عدو نفسها" هو التفسير الأمثل لتشجيع كثير من السيدات متصرفات وسلوكيات المجتمع ضدهن، فتجد الأم هي أول من يرفض أن تعمل ابنتها، وأول مَنْ يجبرها على الانصياع لأوامر وقرارات زوجها المُقيدة وغير المنطقية، وفور أن ترغب في القيام بأي أمر مختلف عن السائد، تلاحقها المحيطات بها في لهجة استنكارية .
ولكن على الرغم من المعوقات فبالتأكيد، مع التطور ومرور السنوات، شهدت كثير من الدول العربية تغيرات كبيرة في التعامل مع وضع المرأة، وأصبحت كثيرات قادرات على أن تساهم في التغير وتحقيق النجاح، فرغم المعوقات ما زلن يملكن الفرصة ويتمكنّ من تحدي واقعهن والنجاح.
اضافةتعليق
التعليقات