الخطوة الأولى لمعالجة المجتمع هي قراءته بصورة صحيحة ومعرفة ما يحتاجه وما يرغب به وإيجاد طرق مناسبة لجذبه نحو التغيير، فمن الضروري أن تدرس طبيعة الفرد وطبيعة مجتمعه حتى تستطيع أن تفكر بجدية بوسائل يمكن تطبيقها على أرض الواقع.
الأمر أشبه بإنشاء مشروع في بلد معين فيذهب صاحب المشروع لرؤية ما يحتاجه هذا البلد وطريقة استقباله لطبيعة المشروع حتى تتحقق الأرباح منه وتتحقق الفائدة.
عصر الامام السجاد عليه السلام عصر شائك بالتيارات الجديدة التي ظهرت لمجموعة من الأغراض التي تلائم أفكار السلطة آنذاك ومنها انشقتْ حتى تبث سمومها في الدين الإسلامي لغرض انهائه، منها عقيدة الجبر وكان من أخطر ما روّجوه بين الاُمّة وأكّدوا على إشاعته هو فكرة الجبر الإلهي بهدف التمكّن من السلطة التامّة على مصير الناس، والهيمنة على الأفكار بعد الأجسام.
فإن الأمّة إذا اعتقدت بالجبر، فذلك يعني: أن كلّ ما يجري عليها فهو من الله وبإذنه، فما يقوم به الخليفة من فساد وظلم وجور وقتل ونهب وغصب، فهو من الله ـ تعالى عن ذلك ـ استكانت الأمّة للظالم ولتعدياته، ولم تحاول أن تتخلص من سيطرته، ولا دفع عدوانه، بل لم تفكّر في الخلاص منه، لأن ذلك يكون مخالفة لإرادة الله ومشيئته، فالخليفة والأمير والحاكم والوالي إنّما ينفذون إرادة الله، وهم يد الله على عباده!.
وعقيدة التشبيه والتجسيم:
وقد تجرأ أعداء الإسلام ـ بعد سيطرتهم على الحكم ـ على المساس بأساس العقيدة الإسلاميّة، وهو التوحيد الإلهي، وذلك بإدخال شبه التجسيم والتشبيه في أذهان العامّة، لإبعادهم عن الحقّ، وجرّهم إلى صنميّة الجاهليّة.
وغيرها مما سببت بضياع الشخصية المسلمة وبعدها عن الدين الإسلامي الحق فغدت تعاني من فراغ روحي، هذا التشخيص الذي كان نتاجه_ رسالة الحقوق_ التي كان الغرض منها إعادة بناء فرد الذي يعرف ما عليه من حقوق وواجبات.
ثم بعد ذلك بدأ يعمل عليه السلام على إحياء العقيدة الدينية ضمن سلسة من الأدعية التي تضمنت مفاهيم عقائدية تنفي الجسمانية والمشبهة.
فمن المواقف التي تذكر جاء في الحديث أنّ الإمام زين العابدين عليه السلام كان في مسجد الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم ذات يوم ، إذ سمع قوماً يشبّهون الله بخلقه ، ففزع لذلك ، وارتاع له ، ونهض حتّى أتى قبر رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ، فوقف عنده ، ورفع صوته يدعو ربّه ، فقال في دعائه:
« إلهي بدت قدرتك ، ولم تبد هيبة جلالك ، فجهولك ، وقدّروك بالتقدير على غير ما أنت به مشبّهوك
وأنا بريء ـ يا الهي ـ من الذين بالتشبيه طلبوك ، ليس كمثلك شيء ـ يا إلهي ـ ولن يدركوك.
فظاهر ما بهم من نعمة دليلهم عليك، لو عرفوك وفي خلقك ـ يا إلهي ـ مندوحة عن أن يتأوّلوك. بل ساووك بخلقك، فمن ثمّ لم يعرفوك.
واتّخذوا بعض آياتك ربّاً، فبذلك وصفوك فتعاليت ـ يا إلهي ـ عمّا به المشبّهون نعتوك.
فمن خلال هذا الدعاء استطاع أن يفند آرائهم، وغيرها من الأدعية التي ظاهرها دعاء وباطنها رسائل مغلفة يفهمها من يتأمل بها، منها ما تصقل روحية الفرد بتقربه الى الله، ومنها ما تُعرِّف الفرد بقدره ضعفا وحاجة، وقوة واستطاعة.
فمن الضروري عندما تعصف أي فكرة لمعالجة مجتمع معين تتوجب دراسته وما يحتاجه والعمل ضمن اطار المتاح فأي محاولة لتجاوز عقل الفرد واعرافه وطريقة تعامله مع واقعه سيعطي نتائج عكسية.
اضافةتعليق
التعليقات