في العبادة مضمار للحياة فنجد في كمائن أيامنا الجيد والسيء، فإذا تمكن الإيمان في النفوس وتحقق في واقع الحياة عبادة صحيحة وأخلاقاً نبيلة وسلوكاً مستقيماً ودعوة صادقة استحق المؤمنون ما وعدهم الله به والله لا يخلف الميعاد.
تستمد الحياة قيمتها، وقداستها من مبدأ الإيمان بالله تعالى، وذلك باعتبارها الحقيقة الأولى من حقائق الوجود، ولكونها مصدراً لتلك الحقائق.
وإن كان الإيمان بالله مطلوباً لذاته بإعتباره الحقيقة العليا، إلا إنه يُطلب أيضاً لما يحدثه من آثار إيجابية في الحياة العمليّة للإنسان، إذ هو يصبغ الحياة كلها بصبغته، ويضفي عليها من حلاوته ما لا تناله أبداً بدونه، وذلك هو مصداق قوله تعالى: (فمن اتبع هداي، فلا يضلّ، ولا يشقى، ومن أعرض عن ذكري، فإن له معيشةً ضنكاً).
فإن المعنويات الانسانية وأشملها وأعمقها هو الايمان بالله سبحانه وتعالى، وهو جماع النظام العقلي كله، وهو مظهر هذا النظام والذين يحرمون صفة الايمان يدلون بذلك على أن في نظام عقلهم اضطرابا خلقياً يصعب علاجه.
وبدون الإيمان تصبح الحياة حيوانية خالصة، ولا يعنينا ما يؤمن به الانسان ما دام يؤمن بشىء "وإن كان الايمان بالله عز وجل هو أشمل وأعمق المعنويات". وذلك لأنه مهما يختلف موضوعه أنه يدل الايمان في حد ذاته على وجود نظام في التكوين العقلي لمخ الإنسان.
قال الله تعالى: {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي كَبَدٍ}.
روي عن حديث: قال علماؤنا :أول ما يكابد قطع سرته .ثم إذا قمط قماطا وشد رباطا يكابد الضيق والتعب . ثم يكابد الارتضاع ولو فاته لضاع .ثم يكابد نبت أسنانه وتحرك لسانه .ثم يكابد الفطام الذي هو أشد من اللطام .
ثم يكابد الختان والأوجاع والأحزان .ثم يكابد المعلم وصولته والمؤدب وسياسته والأستاذ وهيبته .ثم يكابد شغل التزويج والتعجيل فيه .ثم يكابد شغل الأولاد والخدم والأجناد .ثم يكابد شغل الدور وبناء القصور .
ثم الكبر والهرم وضعف الركبة والقدم. في مصائب يكثر تعدادها ونوائب يطول إيرادها .
من صداع الرأس ووجع الأضراس ورمد العين .وغم الدين ووجع السن وألم الأذن .
ويكابد مِحَنَاً في المال والنفس، مثل الضرب والحبس .ولا يمضي عليه يوم إلا يقاسي فيه شدة.
ولا يكابد إلا مشقة. ثم الموت بعد ذلك كله. ثم مسألة الملك وضغطة القبر وظلمته. ثم البعث والعرض على الله. إلى أن يستقر به القرار. إما في الجنة وإما في النار. فلو كان الأمر إليه لما اختار هذه الشدائد
ودل هذا على أن له خالقا دبره. وقضى عليه بهذه الأحوال. فليمتثل أمره.
أما العبادة فإنها ذاتُ تأثير حقًّا على النفس في إصلاحها وتزكيتها، ولكنها قد يطرأ عليها ما يُفقدها ذلكَ التأثيرَ الخاصَّ، فتصبِح غير مُصلحةٍ للنفوس ولا مُزكيةٍ لها، ومن أكبر ما يطرأ على العبادة فيُفقدها صلاحيتها، وتأثيرها في إصلاح النفوس وتطهيرها الشرك فيها.
العبادة عميقة يجد فيها الإنسان اطمئنان ذاته وفيها هويته ووجوده وهوية مماته وإن الإنسان في علاقته مع ربه يجد مفهوم وسيلته وغايته وهي رضا الله واللجوء إليه والتوكل عليه في الشراء والضراء وإن الله يشمل العبد في رحمته التي وسعت كل شيء فمهما تكابدت الحياة تبقى ذو قيمة حين اقترانها مع الله فما الإنسان إلا ما أوجده ربه عليه.
اضافةتعليق
التعليقات