بين الماضي والحاضر، بين كبار العمر وصغارهم، يتعاقب الليل والنهار على حلقة مفقودة تُدعى "المراهقة"، في هذا العمر يبدأ التحول الفسيولوجي للأشبال، وتبدأ معه مرحلة من الغموض والاضطرابات، تبدأ أجنحة الطيور في الظهور ولكنها لم تنضج بعد، تبدأ الاندفاعية نحو الخارج بمساعدة بعض العوامل الّتي نشأ عليها الفرد في منزله وداخل أسرته، في هذه المرحلة يكون كلّ شيء له رونق برّاق لأنّه ما زال جديداً بالنسبة لنا، حتّى العالم الخارجي رغم ما به يكون جميلاً بالنسبة للمراهقين!.
ربّما تظنّ وأنت تقرأ أنني سأعيد عليك نصائح والدك، أو أُذكرك بتعليمات والدتك، أو أخبرك أن العالم في الخارج سيء وأن منزلك هو الأفضل على الإطلاق، ستعتقد أنني سأُقدّس والديك بما علماك إياه، أو أهمس في أذنك قائلاً "لا تخرج عن ما علماك إياه والداك"، أو أُحجر عليك نصائح أسرتك وما حاولوا تعليمك إياه.
في الحقيقة دعني أخبرك أنني أكتب لأخبرك أنه يجب عليك الخروج للعالم الخارجي بكل هدوء وسرور، أكمل السير للبعيد ثم التفت وانظر لمنزلك الّذي نشأت فيه، تمعّن في اللبنات الّتي وضعها والدك تحتَ قدميك، افحص جيداً تلك المبادئ الّتي كانت تمزجها لك والدتك في الحليب أثناء رضاعتك، وفكر ملياً في كل موقف وكل درس وكل خلق وكل شيء تعلمته منذ ولادتك.
الوالدين فضلهما عظيم والجميع يعلم مدى فضلهما، والأسرة الّتي أنشأتك ضحت بكل ما تملك لتصل إلى هذه المرحلة، ما كان غرضهم سوى أن تكون أفضل النّاس وأحسنهم، لا بد من شكرهم على هذا، والعمل طوال حياتك على برّهم وإظهار العجز أمام ما قدموه لأجلك.
ولكن.....
ربما لا يكون كل ما قدمه لك والديك كان مفيداً، هناك أشياء تربيت عليها قد تكون جيّدة من وجهة نظرهم ولكنها في الحقيقة سيّئة، لذا عليك أن تنظر لنفسك وترى ماهيتك بشكلٍ واضح يسمح لك بجدولة ما تربيتَ عليه لتضع كل شيء في خانته الصحيحة.
الجميع يتحدث عن تعليم الذات، ولكن القليلون هم من يذكرون تربية الذات، ودعني أخبرك بأنّ عليك تربية ذاتك عندما تدخل في عمر الحُلُمِ ويبدأ عقلك بتقبّل التغيير، يجب عليك أن تُهيئ عقلك لأن يتغير، يأخذ ممّا تعلّم الأفضل ويُصلح ما تعلمه من أشياء رديئة بذاته من خلال التعليم والتثقيف والقراءة، أن تُغير خلقاً لازمك لاثني عشر عاماً أو يزيد لشيء يصعبُ على المرء، ولكن في مرحلة المراهقة أنت تودّ أن تجرّب كل شيء ولو كان خاطئاً، فما بالك أن تجرب شيء خاطئ يستند لمفهوم خاطئ غُرس بداخلك منذ طفولتك.
في الغالب يخرج الجميع للعالم الخارجي من خِضَمّ علاقات غير صحيّة مع أسرته، فيبدأ بتلك الخلفية بتوطيد علاقاته مع الآخرين على أسس خاطئة نشأ عليها مُنذ طفولته، كذلك يبدأ المراهق بالخوض في تجارب جديدة لم يعهدها مع أسرته مستنداً للأسس الّتي تربي عليها والأشياء الّتي ما زالت عالقة بذهنه فينخرط في الكثير من التجارب السيئة الّتي ربّما تجرفه دون وعيه نحو الهاوية، من هذا المنطلق أودّ أن أخبرك بأنّك يجب أن تتمهل وأنت ما زلت مُستجداً في صراع الحياة، عليك بأن تعرف نفسك جيداً وتري كيف أنت، ما الّذي ينقصك لم تتعلمه، وما الّذي لا تحتاجه مما تعلمته، ما الّذي تعلمته ويجب التمسك به وما الّذي تعلمته ويجب تغييره.
المرونة أحد الأسباب الّتي يجب أن يتحلى بها الفتى المراهق كي لا يشتدّ فينقطع أو يرتخي فيسقط، عليك بأن تتقبّل أن أسرتك مكونة من البشر، تُصيب وتخطئ، ما لديك هو كل ما لديهما، فاعمل أنت على أن تتعلم وإن لم تُدربك أسرتك على هذا، دع أسرتك وشأنها في هذا العمر، لا تأخذ منهم سوى الصالح وتعلّم بقيّة الصالحات من الخارج، وبعد أن تتعلمها حاول أن تُساعدهم في تغيير مفاهيمهم الخاطئة كما حاولوا أن يعطوك مفاهيمهم الصحيحة.
لا يكن همّك الفرار نحو العالم الخارجي ببلاهة وأنت لا تدري كم أنّ العالم الخارجي أقسى من صوت والدك الّذي كان ينهاك عن فعل شيء بصوته الرادع، ولكن انظر لحصيلتك من والديك على مهل وأعد ترتيبها، احمل منها ما يستقيم ودع البقيّة، أُطرق أبواب التعلّم لكي تتعلّم التعامل مع الحياة الخارجية، فأنت خارج من سجن للحرية، فلا تسيء استخدام الحرية لأنّ السجان لم يعطك حقوقك الكاملة أو لم يخبرك بأن الخارج سجنٌ آخرٌ كبير، أو لم يفقه طريقة معاملتك.
يقول أينشتاين "لن نستطيع أن نواجه -أو نعدل- المشاكل المزمنة -الّتي نعاني منها- بنفس العقليات الّتي أوجدت تلك المشاكل.
من خلال مفهوم القانون السابق ذكره وهو قانون تغيير العقليات لأينشتاين وبالاستناد للمراحل الّتي نمرّ بها في الأوطان العربية يمكنني أن اخبرك بأنه يتحتّم عليك كمراهق يافع أن تجلس مع نفسك وترتب أوراقك الّتي استطعت اكتسابها إلى هذا اليوم، هناك أوراق يجب عليك حرقها على الفور، وأوراق يجب عليك إعادة استخدامها مع بعض التغييرات الّتي يجب أن تقوم بها كي تستطيع استخدامها بطريقة صحيحة، وأيضا هناك أوراق كانت بحوزتك ولكنها الآن مفقودة وعليك إيجادها كي تكمل لعبة الحياة، وفي النهاية ستجد أوراقاً لم تكن في يدك يوماً ويجب أن تكون في يدك كي تساير الحياة.
عقليات الماضي لا يجب أن تُكمل معك بنفس تصوراتها وأيديولوجياتها، هذا لا يعني أنّنا نُقلل من شأن الأجيال الطاعنة في العمر، من يعيد منهم ترتيب أوراقه وأيديولوجيته كي يدعم مبادئه بطريقة بنائه صحيحة مع خبراته المتراكمة فسيكمل دونَ أن تُبليه سرعة الحياة، ومن يظلّ يلعب بنفس الورقة الخاسرة ولا يستطيع تغييرها ليدعم مبادئه فستدهسه عجلات الزمان دون مراعاة لخبرته أو تاريخه، فخذ منهم ما يصلح لتدعيمك في الحياة واترك ما يفسد عليك دنياكَ وآخرتك، لكل مرحلة من مراحل الحياة -خاصة في وضع التطورات المتلاحقة والسريعة الّتي نعيشها- عقليات تستطيع التعامل معها ومسايرتها وحتّى السيطرة عليها، فكن ذا فِطْنة ولا تكن حاملاً لأفكارٍ تعافى عليها الزمان كي لا تموت قبل أن تحيا داخل قوقعتك.
اضافةتعليق
التعليقات