بين عقبات الزمن الماضي هناك إرث عظيم اندثر في السنوات الاخيرة، ولم يبقَ منه إلا الذكريات والصور التي بقيت محفوظة في الذاكرة، تحن اليها الروح وتدمع العين لسردها، وعند اول كلمة تقال: (الله على الزمن الماضي)، لماذا كان الماضي جميل والحاضر كئيب؟، فلم يشعر المرء بقيمة العائلة والصحة والأولاد وحتى تلك الجلسات العائلية التي كانت تدار في بيت الجد والجدة.
وفي مقارنة بين الأمس واليوم ترى هناك فوارق كبيرة في كل شيء، النفوس المطمئنة أصبحت لا تطمئن بالخير وترغب في الابتعاد عن الاخرين بعدما كانت المودة بين الأهل والمحبة تغطي على ملامحهم، افتقدنا السلام العائلي، ولمسة اليد الحنونة والطعام الصحي الذي كان يعد على نار هادئة، وحولها تجلس الجدة والجد، مع تطور الأواني الفاخرة والزجاجيات إلا إنها لا تروي ظمأ الروح، ولن تكتمل الجلسة العائلية في هذا الزمان من دون "واي فاي"، ومشاجرة الأولاد على ارث او قطعة ارض وترديد الكلمات الاجنبية تقليدا للغرب، وعلى الجدار شاشة تعرض المسلسل الهوليودي..
وافتقد هذا الجيل روح المداعبة حيث الجد مع الاحفاد وقضاء الوقت معهم بسبب الخلافات العائلية التي تسببت في ابتعاد الاحفاد وتسليتهم في الايباد والالعاب الالكترونية، عالم لا يشبه الأعوام السابقة، والاكثر أسفا، اننا اضعنا تراثنا بأيدينا ولم نرعى هذا الجانب المهم وهو التراث الفكري للأحفاد كما كان في السابق، ولم نتمكن نحن ايضا من نقل هذا التراث الى اولادنا، وبكل ما نملك من الادوات المعاصرة والاحداث التي حصلت والقصص التي كتبت والمواقف التي شهدها الاباء إلا انها حذفت سريعا من الذاكرة ولم تختزن فكريا.
ففي السابق كان يجلس الجد مع الاحفاد ويحدثهم عن البطولات التي خاضها والمعارك التي قاتل فيها، وسرد قصص الابطال عليهم، وتعليمهم التعاليم الدينية الصحيحة ، كما هي في الاسلام، وسيعلم الأحفاد بطريقته الخاصة اداب الكلام، والشجاعة حتى انك لا بد أن سمعت يوما ان جدك كان شاعرا، او قارئا، او صيادا ماهرا، واغلب الاحفاد في الماضي كانوا يتعلقون بيبت الجد ويطلبون تمديد الاقامة عندهم، اليوم بمجرد ان تترك الحفيد يسأل: هل في بيت جدي "واي فاي".
وربما لا نملك ما نقوله لأولادنا عن تراثنا الفكري وصناعة الأبطال ونكتفي بقول كان هناك جهاز يوفر لك كل شيء حتى الطعام (دلفري)، وعلى الرغم من وجود الأجداد بينهم إلا انهم يفتقدون استثمار الوقت معه، واحترام كبره وتلبية حاجاته، وقد قرأت في جريدة عن علاقة الجد بالحفيد، أنه حسب خبراء علم النفس أنَّ "الأب والأم يعيشان الأبوة والأمومة مع أطفالهما في حلوها ومُرّها، لكن الجدَّين يعيشان مع الأحفاد الأبوَّة والأمومة المتأخرة في حلوها فقط، أما الجانب المرّ فيتركانه للأب والأم".
لذا يرى الأجداد في الأحفاد امتداداً طبيعياً لسلالتهم ومصدر سعادة وفخر في حياتهم، وبدورهم، يرى الأحفاد في الأجداد الحضن الذي يعطيهم الإحساس بالأمان والإنتماء، ويزوِّد الأجداد الأحفاد بنوع من الثراء العاطفي والنفسي، كما يزودونهم بالخبرات والمعارف الأساسية في الحياة نتيجة التجارب والخبرات، وعندما ينتقل دورك من أم وأب إلى جد وجدة يتغير الوصف الوظيفي لمهمتك فلا يعود هدفك الرئيس رعاية الطفل، بل تقديم الحب والاستمتاع بمشاعر الأبوة والأمومة من دون عناء.
والمشرع الإسلامي أكد على ترك الاحفاد مع الجد، وخير دليل على ذلك هو رسول الله صلى الله عليه واله وسلم، خرج يوما رسول الله صلى الله عليه واله وسلم ومعه الحسن والحسين هذا على عاتقه وهذا على عاتقه وهو يلثم -أي يقبل- هذا مرة وهذا مرة حتى انتهى إلينا، فقال: (من أحبهما فقد أحبني ومن أبغضهما فقد أبغضني).
اضافةتعليق
التعليقات