قطب الوجود وحجة السماء جالس على التراب تعلوه هالة حزن وبكاء الوالهة الحزينة سلاحه بصوت متقطع ألماً يُردد "سيدي غيبتكَ نفت رقادي وضيقت عليِّ مهادي وأبتزت مني راحة فؤادي"، صحابته الأتقياء تغير لونهم وصدعت قلوبهم جزعاً عند رؤيتهم مولاهم بهذا الحال، لم يجرأ أحداً منهم على مقاطعته، المفضل وسدير برفقة أبي بصير وأبان يقلبون أبصارهم علهم يحصلون على بيان يخبرهم سبب حزن سيدهم، ينصتون لما يقول مجدداً فيجدونه يندب
"سيدي غيبتكَ أوصلت مصائبي بفجائع الأبد وفقد الواحد بعد الواحد بفناء الجمع والعدد" أحدهم يتوسل الآخر بنظرته أن تشجع في النطق بين يدي الإمام حتى وإن استوجب ذلك مقاطعته فالخوف ينهش أرواحهم على حال مولاهم، سأل أحدهم: لا أبكى الله عينيك يا بن خير الورى من أية حادثة تستذرف دمعتك، وتستمطر عبرتك؟ وأية حالة حتمت عليك هذا المأتم؟.
الإجابة جاءت برفقة زفرة ذُهل منها حتى الجماد حوله، زفرة انتفخ منها جوفه، واشتد منها خوفه فقال: ويكم إني نظرت صبيحة هذا اليوم في كتاب الجفر وتأملت فيه مولد قائمنا عليه السلام وغيبته وإبطاءه وطول عمره وبلوى المؤمنين بعده في ذلك الزمان، وتولد الشكوك في قلوب الشيعة من طول غيبته، وارتداد أكثرهم عن دينه، وخلعهم ربقة الاسلام من أعناقهم التي قال الله عز وجل: (وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه) يعني الولاية، فأخذتني الرقة، واستولت علي الأحزان .
لحظة صمت وتأمل ..
ياشيعة جعفر بن محمد مولاكم قد استولت عليه الأحزان لغيبة المهدي قبل مولده يخشى على شيعته الضياع في زمن غيبته، ها نحن مُنذ لحظة الولادة همست الدُنيا في أذننا أنكم قد جئتم في زمن الحجة فيه محجوب عنكم فاعملوا على ما يرفع الحُجب لتشرق الأرض بنور عدله، لكننا حتى اللحظة نسبح في التيارات القادمة من كُل جهة تقودنا للضياع بسبب الغفلة، وكل ذلك سببه البعد عن روايات الصادق (عليه السلام) .
روي عن أبي عبد الله جعفر بن محمد (عليه السلام): "والله لتكسّرنّ تكسّر الزجاج وإنّ الزجاج ليعود فيعاد، واللّه لتكسّرنّ تكسّر الفخار فإنّ الفخار ليتكسّر فلا يعود كما كان، واللّه لتغربلنّ، واللّه لتميّزنّ، واللّه لتمحّصنّ، حتى لا يبقى منكم إلاّ الأقل" المولى يُقسم ونحن لا نهتم .
من ذكرى شهادة الصادق ننطلق نحو حجة الزمان في تهذيب النفس حتى تصل لأدب جعفر، (فإن الرجل منكم إذا ورع في دينه وصدق الحديث وأدى الأمانة وحسن خلقه مع الناس قيل هذا جعفري، فيسرني ذلك ويدخل علي منه السرور، وقيل هذا أدب جعفر).
مع تكثيف مجالس الندب للمولى المُغيب كما فعل إمام مذهبنا وأبان للعالم ثقل زمن الغيبة، والإكثار من الدعاء الذي أمر به صادق الآل أحد أصحابه إن ادرك غيبة ابن الحسن (اللهم عرّفني نفسك، فإنّك إن لم تعرّفني نفسك لم أعرفك، اللهمّ عرفني نبيّك، فإنّك إن لم تعرّفني نبيّك لم أعرفه قطّ، اللهمّ عرّفني حجّتك، فإنّك إن لم تعرّفني حجّتك ضللت عن ديني) .
اضافةتعليق
التعليقات