إن التغيير الداخلي يتوقف على "تزكية النفس" ومعرفة أحوالها وتغييرها نحو الأحسن. والتزكية هي التربية.
قال تعالى: "قد أفلح من تزكّى"، وقال تعالى: "قد أفلح من زكّاها".
ولتحقيق التزكية لا بد من أمور:
أ-التخلية والتحلية:
فكما أن الزارع يزيل الأشواك من الأرض وينظفها من الأوساخ والقذارات ويزرع فيها البذور كي تنمو وتثمر، فعلى الإنسان أن يزيل الرواسب السلبية من نفسه – سواء أكانت فكرية أو خلقية أو قولية أو عملية – ثم يعمل على زرع الأخلاق الحسنة في نفسه، ويُعبّر عن هذه العملية بـ "التخلية والتحلية" فهي تخلية عن الرذائل ثم تحلية بالفضائل.
وهذه العملية تقتضي معرفة عيوب النفس.
فقد ورد في الحديث: "إذا أراد الله بعبدٍ خيراً بصّره عيوب نفسه" و "من حاسب نفسه على العيوب وقف على عيوبه وأحاط بذنوبه، واستقال الذنوب، وأصلح العيوب".
وللوقوف على عيوب النفس لا بدّ من أمور:
1-تحديد العيوب: من خلال تدوينها ثمّ العمل على إزالتها، فعن الإمام علي عليه السلام: "على العاقل أن يُحصي على نفسه مساوئها في الدين والرأي والأخلاق والأدب فيجمع ذلك في صدره أو في كتاب ويعمل في إزالتها".
2-مصاحبة الصديق المتدين: الناصح الصدوق، ليكشف العيوب، فإنّ "المؤمن مرآة المؤمن" فكما أنّ المرآة تكشف المحاسن والمساوىء كذلك الصديق، فعن الإمام موسى الكاظم عليه السلام: "اجتهدوا في أن يكون زمانكم أربع ساعات: ساعة لمناجاة الله، وساعة لأمر المعاش، وساعة لمعاشرة الاخوان الثقات الذين يعرفون عيوبكم ويخلصون لكم في الباطن، وساعة تخلون للذاتكم في غير محرم، وبهذه الساعة تقدرون على الثلاث ساعات".
ب-المراقبة:
مراقبة النفس في كل حركاتها وسكناتها لئلا تقع في الحرام، قال تعالى: "يا أيها الذينَ آمنوا اتقوا الله ولتنظُر نفسٌ ما قدمتْ لغدٍ واتقوا الله إنّ الله خبيرٌ بما تعملون".
وعن الإمام علي عليه السلام في صفة العاقل أنّه قال: "راقب في يومه غده، ونظر قدماً أمامه".
وذلك لأنّ مراقبة الإنسان لنفسه تحفظه من تلويثها بالمعاصي والخطايا فيكون حاله كحال الذي يملك جوهرة ثمينة ويخاف عليها من السرقة أو الضياع فهو لا يغفل عنها لحظة واحدة، والنّفس أغلى من كل شيء فلا بدّ من مراقبتها لئلا يسرقها شياطين الجن والإنس، عن الإمام علي عليه السلام: "إنّ النفس لجوهرة ثمينة، من صانها رفعها، ومن ابتذلها وضعها".
ومما يساعد على ذلك:
1-الشعور بالرقابة الإلهية
2-الشعور برقابة الملائكة
عن الإمام الصادق عليه السلام: "انظر ما تقطع به يومك، فإنّ معك ملكاً موكلاً يحفظ عليك ما تعمل، فلا تحتقر سيئة وإن كانت صغيرة، ولا تحتقر حسنة، فإنه ليس شيء أشد طلباً ولا أسرع دركاً من الحسنة، إنّها لتدرك الذنب العظيم القديم فتذهب به وقال الله في كتابه: "إنّ الحسناتِ يُذهِبنَ السيئات".
ت-المحاسبة:
في وصية النبي – صلى الله عليه وآله وسلم – أنه قال: "يا أبا ذر حاسب نفسك قبل أن تُحاسب فإنّه أهون لحسابك غداً، و زن نفسك قبل أن تُوزن، وتجهّز للعرض الأكبر يوم تُعرض لا تخفى على الله خافية" إلى أن قال: "يا أبا ذر لا يكون الرّجل من المتقين حتّى يحاسب نفسه أشدّ من محاسبة الشريك شريكه، فيعلم من أين مطعمه، ومن أين مشربه، ومن أين ملبسه، أمن حلال أو من حرام؟ يا أبا ذر من لم يبال من أين اكتسب المال لم يبال الله من أين أدخله النّار".
فكما أنّ الشريكين في تجارة مالية يراجعان حساباتهما في كل يوم أو أسبوع ليعرفا الخسائر والأرباح، كذلك المؤمن فإنّه يُحاسب نفسه أشدّ من محاسبة الشريك لشريكه لأنها العدو اللدود والأمارة بالسوء. فقد ورد: "أعدى عدوك نفسك التي بين جنبيك".
ث-المجاهدة:
فإنها "أعدى عدوك نفسك التي بين جنبيك" كما في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. فكما أنّ العدو يتربص بنا الدوائر ليقضي علينا فإنّ النفس عدو يأمر بالسوء لتقضي علينا معنوياً، وخطرها أكبر من خطر العدو الخارجي، لذلك ورد أنّ الجهاد الأكبر هو جهاد النّفس، فقد روي أنّ النبي محمد – صلى الله عليه وآله وسلم – قال لقومٍ عادوا من الحرب: "مرحبا بكم، قدمتم من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر"، فقيل: وما الجهاد الأكبر؟ فقال – صلى الله عليه وآله وسلم -: "جهاد النفس".
اضافةتعليق
التعليقات