إعياء يحتل مفاصل الأيام كالطوب القاسي حين ينصرم ويصبح أشتاتا، والوهن يحتضن عظامنا المتهالكة مُحمل بالسنون الثقال، يرتكز الكف على الكف وينحني الرأس أسفل لعل العذر كافي بعدما استفاقت العقول من تكلسها، ربما لسنا الوحيدين في هذا العالم الذين يشكون من حاضرهم ومخلفات الماضي ولكن من المؤكد أننا في مقدمة الركب كيف لا ونحن نتبع شريعة الغاب بدل شريعة الله تاركين الآفات تستقبلنا بكلتا ذراعيها تطبطب على الروح لترسم وهم النجاة بعيدا عن طوقه بحبل من نار يلتف على رقابنا.
الآفات المذمومة التي تكون جذورها مغروسة في طبيعة النفس البشرية منها على الفطرة ومنها مكتسبة مع الآخرين وهي الحرص، والشحة، والبخل، والكره، والحسد، والعجلة وغيرها كثير، كل هذه تكون على الإنسان نقمة ويتلقفه إبليس تلقف الشخص للكرة، ومن كلمات إبليس لنوح كما في رواية مولانا الهادي (عليه السلام): (إذا وجدنا ابن آدم شحيحا، أو حريصا، أو حسودا، أو جبارا، أو عجولا تلقفناه تلقف الكرة فإن اجتمعت لنا هذه الأخلاق سميناه شيطانا مريدا).
روي عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) أنه أوقف فرسه مرة ًعند باب مسجد وقبل أن يدخل لُيصلي استأمن أحد الواقفين عند الباب على فرسه وعلى السرج الذي عليه، فطمع الرجل المُستأمن على الفرس وسرق سرج الفرس وهرب إلى السوق وباعه هناك، ولمّا خرج علي بن أبي طالب (ع) من المسجد لم يجد الرجل ولا السرج فذهب إلى السوق ليشتري سرجاً آخر حتى يستطيع ركوب الفرس، وقد أدهشه أن وجد سرج فرسه نفسه معروض للبيع في السوق فسأل صاحب الدكان بكم يبيعه؟
- فقال البائع: بعشرة دراهم
- فقال له علي: وبكم باعك السرج من أحضره لك؟
- قال البائع: بخمسة دراهم
فاشترى علي (ع) السرج وقال: سبحان الله ، لقد كنت أنوي أن أدفع للرجل السارق خمسة دراهم عند خروجي من المسجد لقاء أمانته، لكنه استعجل رزقه وسرق السرج وباعه، ولو لم يستعجل رزقه بالحرام لأخذه بالحلال!.
هكذا أودت العجلة بخير ورثناه إلى سنين عجاف نجهزها تركة لمن سيأتي بعدنا، ظلّت أيدينا قابضة على جمر المبادئ، بينما نَلمحُ أصبعا يسترخي، ويدا تنزلق لوحل المصافحة حتى تداعى سائر الجسد إليها واتبعها فتهنا وتاه من بعدها فما سيرهم إلا على خطى أسوء من سبقوهم، يهيؤك لقتل أشنع، من قد مُدت أيديهم لتُجلد، يمدونها اليوم، لتشحذ، والعجب أن من قيدت معاصمهم يوما، يرفعونها الآن، ليطيل الله عمر السجان، يأخذنا الذهول تارة هل هو خوف أم أن تلك أرقى منالات العبيد البشري.
لا تصافح، فالكرامة لا تشترى والعجلة في اختيار القادة لا فائدة منها سوى أنك تشارك في الحرام فليست يد السارق هي فقط من استعجلت إنما يد من صافح الركب على أمل قطعة خبز زائدة ستصلى وتحاسب ذات يوم حينما يقف الجميع أمام العادل فأي تبرير سيجدون.
تعاستك في عجلتك!
العجلة صفة تؤدي دائماً في ذاتها وآثارها إلى قلق الإنسان وانزعاجه، وتورث الأسى والأسف في مشاعره وأحاسيسه والندامة من أعراضها، وكانت العرب تكني العجلة: - أم الندامات، وإن الزلل مع العجل، والإقدام على العجل بعد التأني فيه أحزم من الإمساك عنه بعد الإقدام عليه، وهي تورث أمراضاً وآثاراً نفسية منها:
- القلق الذي ينتاب الإنسان في عجلته وسرعته، والارتباك والنسيان، والخوف من المجهول المترتب بسبب عدم وضوح الرؤية، والمتطبع بالعجلة والسرعة في سلوكه الإجتماعي يكون حاداً متعصباً متكلفاً للأمور، وتؤدي أحيانا إلى قتل أمم كاملة، فكم من الحماقات ترتكب بسبب التهور وعدم التأني، وكم من الصداقات تقطعت بسبب التسرع والتهور والعجلة، وكم من المشكلات تقام، وكم من البيوت تهدم لهذا السبب أيضا، وأخيرا إلى كل من يتصف بالتسرع والعجلة، عن الإمام علي (عليه السلام): (الحلم والأناة توأمان ينتجهما علو الهمة)، فما أحوجنا إلى التحلي بهذا الخلق الطيب فى بيوتنا ومجتمعاتنا التى تعاني من التسرع والعجلة في اتخاذ القرارات، وسوء المعاملة.
رزقنا الله وإياكم الحلم والاناة وحسن الخلق، عن الإمام الصادق (عليه السلام): (إذا لم تكن حليما فتحلم).
اضافةتعليق
التعليقات