تقول قاعدة الأساس الرابع: [أن تكون قدوة عملية مؤثرة في كل جانب بحيث يتأثر بها الطفل دون أن تبذل معه من أساليب تربوية، قدوة بالمنطق، بالثقة، بالالتزام بالنظام وطريقة الحياة، واقتناء الأصدقاء؛ فمن لا يحسن اختيار الأصدقاء لن يُحسن أبناءه اختيارهم أيضًا](١).
هناك مفهوم جدًا خاطئ يتبناه الكثير من الآباء والأمهات حول ولايتهم على أبنائهم، حيث يتصورون إنها ولاية سلطة وتحكم، بينما كثقافة قرآنية نجد أن الله تعالى يخاطب نبيه الأعظم الذي هو كما يصف نفسه (صلى الله عليه وآله وسلم): "يا علي أنا وأنت أبوا هذه الأمة"، بأن ولايته وأبوته ليست بمعنى التحكم والسيطرة، بل القدوة.
وكما في قوله تعالى: {فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنتَ مُذَكِّرٌ○ لَّسْتَ عَلَيْهِم بِمُصَيْطِرٍ} (الغاشية:٢١-٢٢)، فهذا الدور التذكيري الذي من خلال كونه مبشرا ومنذرا مفهومه متحقق بكونه قدوة وأسوة، أي سلوكه وخُلقه (صلى الله عليه وآله) هو التجسيد العملي لرسالة رب السماء التي ارسل بها، وهو مصداق التذكير بالله ولله تعالى، فبه تَقربنا إلى الله تعالى، ومن خلاله نحن تعرفنا على الله تعالى، وعلى ماهية تكليفنا ومسؤولياتنا.
وهكذا الآباء هم نماذج مصغرة للنبي (صلى الله عليه وآله)، فهم كلما اقتدوا به أكثر انطبق عليهم مفهوم [القدوة] أكثر، وكلما ابتعدوا تحقق فيهم مفهوم [التسلط].
فالنفس البشرية جُبلت على أنها مخيرة وليست مسيرة، وتعالى بعظمته وتمام ولايته علينا، هو لم يجبرنا ولم يمارس سلطته علينا وهو السلطان، لأننا في دار اختبار لا إجبار؛ فليس صحيح أن يتقمص الأبوان دور ليس لهما، ولم يكلفان به!
بل إن فهم هذه الحقيقة يفك الكثير من العقد النفسية والسلوكية عند الآباء قبل الأبناء؛ فالتسلط الذي يمارسه الآباء تجاه الأبناء يجعلهم عائلة تعيش في جو مليئة بالمشاحنات والتصادمات، لأن الابن إما يتمرد، فتنكسر هيبة الأب، وينكسر قلب الأم، فيصنعان ولدا عاقا بهما، أو يخضع فينسلخ عن طبيعته؛ فلا يتذوقان طعمأابوتهما.
لأنهما سيصنعان ولدا ضعيفا بلا شخصية وبلا رأي، لا يمكن أن يُعتمد عليه في شيء، بل هو ممن يحتاج دائما إلى أن يُقال له افعل كذا وكذا، حتى في أبسط خيارات الحياة، فكيف بالقرارات والخيارات المصيرية؟! فالمنهجية الخاطئة لا تعطي ثمرا مهما كانت مرضية ومقنعة لأصحابها.
أما استخدام مفهوم القدوة فهو الأمر الأسلم لأن الكل سيكون ممن يعرف ما هو دوره وتكليفه، وبالنتيجة سيؤدي مسؤوليته بالشكل المطلوب.
فالمطلوب من الأبوان أن يُحسنا التصرف أمام الأبناء، يوجهان ويذكران ويعلمان الأبناء بكل حب وإخلاص منذ الصغر وبطريقة لا تخلو من الإفهام وذكر الأسباب.
فالمتسلط صفته الأوامر وانتظار التنفيذ بلا نقاش، لأنه يرى أنه الأعلم والأفهم وله السلطة، بينما القدوة والمربي، لا هو يرى إنه مكلف تجاه هذا الفرد رعايةً وتأديبًا، وتفهيمًا وارشادًا.
وشتان ما بين هذين المنهجين والطريقين، فالأول سيسير به السائر كالأعمى بلا وعي، ولن يَصل لشيء ولا يُرتجى منه أن يحقق على المستوى الذاتي شيء، إلا إذا انتفض ونهض بنفسه من دون أن يكون عاقًا، وإنما يصاحبهما في الدنيا معروفًا، أي لا يتنازل عن حقه في كونه خُلق مختارًا، -لا نقول- أن لا يُصغي بل نقول أن لا يسير بلا وعي وبدون قناعة لما هو عليه يسري.
أما الثاني فهو يكون واعيًا ومختارًا وبذات الوقت سيهيئ له والداه بمنهجهم هذا (منهج القدوة) أن يكون صاغيا، مطيعًا، وبارًا بهما بشكل أفضل وأجمل، ويكون فرد للمجتمع أنفع.
___
اضافةتعليق
التعليقات