يعتبر المنزل هو لبنة الأساس للمجتمع بل هو مجتمع مصغر يحتوي على أفراد تتعدد المهام فيما بينهم ليتكامل الترابط السليم ليكوّن (أسرة) سعيدة مثالية تخدم المجتمع الأكبر.
ومن أهم أفراد الأسرة هم الأب والأم لأنهم هم الراعي الاساسي لبناء شخصية باقي الأفراد ألا وهم الأطفال ليصبحوا فيما بعد آباء وأمهات مثاليين لتكوين أسر أخرى.
ويعتمد الأطفال اعتماد كلي على الوالدين في جميع أمور حياتهم منذ الولادة إلى أن يصبحون أشخاص مستقلين.
ومن تلك الأمور المكتسبة هي العادات والاخلاق والسلوكيات وطريقة التعامل مع الطرف الآخر.
ومن أبرز المشاكل التي يعاني منها أغلب الوالدين هي مشكلة (كذب الأطفال)!
تلك المشكلة ليست سهلة وبسيطة ولكن ليست مستحيلة العلاج.
ولكن لماذا يكذب الطفل؟
وهل هناك أنواع من كذب الأطفال؟
عادة الطفل يكون متلقي جيد لأي سلوك أو تصرف يبديه من هم حوله ويحاول أن يقلد أو يتقنه دون وعي وتارة يكون مدرك لهذا التصرف وهنا تكمن المشكلة.
من أبرز أنواع الكذب هو الكذب الخيالي، حيث يكوّن الطفل قصص خيالية في ذهنه ويصدقها ويبدأ يعيش تلك الحالة أو يكوّن أصدقاء خياليين ويوطد علاقته مع تلك الشخصيات الشبحية،
إن الأصدقاء أو الرفاق الخياليين ظاهرة نفسية واجتماعية تبرز فيها علاقة الصداقة أو أي علاقة شخصية أخرى في المخيلة بدلاً من وجودها في الواقع المادي الخارجي وتؤدي الى انعزال الطفل عن الصداقة الحقيقية مع افراد حقيقيين
لماذا يبتكر الأطفال أصدقاء خياليين؟
يكمن السبب في أن الصديق الخيالي يساعد الطفل في مراحل حيوية ودقيقة من تطوره الجسماني والعاطفة، مثل التوتر بسبب وجود أخ أصغر أو طلاق الوالدين أو مضايقة أقرانه له.
كما قد يستخدم بعض الأطفال الأصدقاء الخياليين كوسيلة لاستيعاب العواطف المُركبة مثل تأنيب الضمير أو الخوف أو التوتر أو الغيرة من وجود أخ صغير أو تفضيل الوالدين لطفل عن الآخر أو عقاب الوالدين الغير متزن.
وقد أظهرت الدراسات الحديثة ذكرتها صحيفة العرب في بريطانيا أن ٦٥٪ من الأطفال مابين عامين إلى ستة أعوام لديهم أصدقاء خياليين مختلفين منهم غير مرئي ومنهم العابهم أو دميتهم الحميمة.
اذن وجود الصديق الخيالي ظاهرة غير طبيعية وتحتاج إلى علاج فوري لانها مشكلة تؤدي إلى تدهور السلوك الطبيعي عند الطفل لأنه يعتقد بوجود ذلك الصديق بل يتحدث إليه وينسب له بعض الأمور التي يكون هو المسئول عنها ومصدر تبرير مثل كسر شيء معين وعند سؤاله يخبرنا بأن صديقه هو السبب!.
ولكن ماهو العلاج؟
المعالج الأول لهذه الحالة هما الوالدين، عليهما في المقام الأول معرفة أسباب تلك الحالة بمراقبة الطفل والحديث معه عن صديقه الخيالي وعدم توبيخه أو اتهامه بالكذب لان ذلك يؤدي إلى ردة فعل غير محمودة ويلجأ إلى نوع آخر من الكذب وهو بقوله (لا أعلم).
وهناك عدة نقاط تعتبر العلاج للكذب عند الأطفال:
وهي:
* يجب الانتباه من قبل الوالدين إلى تصرفاتهم فالطفل يشاهد ويقلد لذلك عليهم تنشئة بيئة اسلامية سليمة تقوم على الصدق والوفاء بالوعد كما أوصى النبي الأعظم [أحبّوا الصبيان وارحموهم، وإذا وعدتموهم شيئاً ففوا لهم؛ فإنّهم لا يرون إلاّ أنّكم ترزقونهم]١، وكذلك توفير الأمان لأن الطفل الخائف يلجأ للكذب دائما.
* مراقبة الطفل بدقة لمعرفة أسباب وجود هذا الصديق الخيالي ومعرفة مايخيفه أو ما يضايقه ومعالجة ذلك الخلل.
* التقرب من الطفل أكثر واللعب معه والاهتمام به فمن أبرز المشاكل هو اهمال الوالدين للجانب العاطفي للطفل وقد حث النبيّ الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم في قوله: "من كان عنده صبيّ فليتصابَ له" ٢.
* زرع الحب بينه وبين أخوته والعدل وعدم السماح للغيرة أن تتمكن منه واظهار مدى حبهم له واهتمامهم كلهم بنفس المقدار فقد ورد أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نظر إلى رجل له ابنان، فقبَّل أحدهما، وترك الآخر، فقال النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم: "فهلا ساوَيْتَ بينهما" ٣. وفي مورد آخر قال صلى الله عليه وآله وسلم: [اِنّ الله تعالى يحبّ أن تعدلوا بين أولادكم حتى في القُبَل] وخير مثال قصة حسد أخوة سيدنا يوسف عليه السلام.
* تنفير الطفل من الكذب وذكر عواقبه بذكر آيات قرآنية له وأحاديث أهل البيت عليهم السلام ورواية القصص التاريخية عن الكذب وخطورته وعقابه الأخروي وتحبيب صفة الصدق ومكانة الصادقين عند الله عزوجل وثوابهم.
* زرع الثقة في نفس الطفل وايكال اليه بعض المهام التي تناسب عمره وعقله لاثبات مدى جدارته وثقة الوالدين به.
* عدم اصدار الاتهامات بشكل فوري دون التحقق من الموضوع واطلاق الصفات الرذيلة عليه ومعايرته أمام الآخرين وبالأخص أخوته لعدم تشجيعهم في الاستهزاء به وتضخم المشكلة بدل علاجها كما قال الله عز وجل في كتابه الحكيم {وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ}٤.
* عند التأكد من المخطئ يجب ايقاع العقاب المتزن مع توضيح سبب هذا العقاب وعدم تضخيم الموضوع أكثر من حجمه.
* العودة إلى سيرة النبي صلوات الله عليه وآله وروايات أهل البيت عليهم السلام في كيفية التعامل مع الأطفال وأخذ القصص والعبر التاريخية منهم في تنشئة طفل مؤمن سوي.
الأطفال نعمة وزينة حياة الدنيا وفلذة أكباد الوالدين لذلك هم أمانة غالية وثمينة جداً من الله عزوجل يجب الحرص عليها وعدم اهمالها والحذر من تهميش عواطفهم بحجة متاعب الدنيا وتوفير الحياة المثالية لهم، لنجعل اطفالنا أول وأهم أولوياتنا والتوكل على الله في الأرزاق هو قمة الايمان فكلنا راع ومسؤول أمام الله عن تلك الرعية في جميع الجوانب وأهمها التربية الأدبية والأخلاقية قبل الجسد فقد قال النبي الأعظم صلوات الله عليه:
"لئن يؤدِّب أحدكم ولده خير له من أن يتصدّق بنصف صاعٍ كلّ يوم"٥.
——————————————
اضافةتعليق
التعليقات