لبناء الشخصية الإسلامية ثقافياً نمر بمرحلتين طبيعتين هما: الهدم اولاً، والبناء ثانياً... فالمرحلة الأولى هي تحطيم الثقافات الاستعمارية الغازية، وهدم البنى الفكرية المستوردة.
وهذا يعني معرفة الأمراض الكامنة في جسد الأمة الإسلامية، ومعرفة كيفية تحقق الهيمنة الاستعمارية علينا، وما هي خططه ومؤامرته التي يحركها ضد الإسلام من وراء الكواليس؟، وذلك لأن الانسان ما لم يعرف المرض لا يستطيع معرفة العلاج، وكذلك علينا معرفة أسباب تخلفنا، وعلل استعمارنا واستغلالنا وعوامل سيطرة الديكتاتوريين والعملاء علينا، وأسباب تبعض المسلمين وتشتتهم الى دويلات متناحرة؟
ولمعرفة الحلول والأجوبة علينا أن نعرف السياسة الإسلامية، كيف هي وكيف تطبق في الظروف الحاضرة؟ الاقتصاد الإسلامي والاجتماع في الإسلام، والزراعة، والتجارة والصناعة، والجيش والحرب والسلم والعلاقات الدولية، والأحلاف والمعاهدات، وتحقيق الحرية، وتوزيع القدرات في مراكزها الطبيعية؟ ذلك أن لكل واحد منها أسلوباً وطريقة خاصة في الإسلام يجب معرفتها ثم معرفة كيفية تطبيقها في الزمن المعاصر.
ومنذ أكثر من قرن وحتى الآن قامت جهات إسلامية عديدة لأجل إعادة الإسلام إلى الحياة، كحركة السنوسي في ليبيا، والمهدي في السودان، وجمال الدين الأسد أبادي ومحمد عبده، والمجدد الشيرازي، والآخوند الخراساني، والإمام ميرزا محمد تقي الشيرازي قائد ثورة العشرين وغيرهم كثيرون.
ولكن _ومع الأسف الشديد- لم يتمكنوا من إقامة الحكومة الإسلامية الواحدة، وعاد المسلمون عبيداً بأيدي الشرق والغرب، فلماذا كان ذلك؟
إن السبب -كما تدل عليه جملة من القرائن- هو أن الأمة كانت تعتمد على الجزء السلبي فقط، أما الجزء الإيجابي في طرح برنامج بديل متكامل فلم يكن مطروحاً عندها، أو كان مطروحاً ولكن لم يخرج إلى حيز التنفيذ. وهذا ما يجب أن نتداركه في حركتنا الإسلامية العالمية القادمة. فالواجب معرفة الجزء الايجابي ايضاً، والذي هو عبارة عن: "كيفية الحكم في المستقبل وفقاً للمقاييس الإسلامية.
ومن الضروري نشر هذا الوعي بين الجماهير عبر مئات الملايين من الكتب التي تضع بديلاً متكاملة جوانبه، محددة برامجه، واضحة معالمه، بينة أساليبه وأهدافه.. وما لم نفعل ذلك سوف تكرر المأساة مرة أخرى.
وهذا مثال حي يوضح لنا ذلك، فالمسلمون هم الذين تحركوا وكانوا السبب في اسقاط الحكومة الأموية، فلماذا لم يقع الحكم في أيد أمينة؟ بل استلم أزمة الحكم ثلة من العباسيين الذين قاموا بالجرائم ذاتها التي كان يرتكبها الأمويين؟ السبب في ذلك أن المسلمين لم يكن لديهم وعي إسلامي كامل، فتصوروا أن أبا مسلم الخراساني وأبا سلمة الخلاّل والمنصور والسفاح وأشباههم لو استلموا الحكم فستمطر السماء ذهباً، ولم يفكروا أن الخلافة من حق الامام المعصوم وهو أجدر الناس بها، فكيف يسلمونها لغيره؟
هذا من جهة، ومن جهة أخرى لم يفكروا أن القدرات لو تجمعت بيد شخص واحد أو حزب واحد او عائلة واحدة لاستأثروا بها ولأسكرتهم كما اسكرت الذين من قبلهم، قال تعالى: "إن الإنسان ليطغى، أن رآه استغنى" (سورة العلق/٦-٧) وورد في الحديث عن امير المؤمنين (عليه السلام): "من ملك استأثر" (نهج البلاغة/قصار الحكم١٦٠).
هؤلاء نسوا الإمام المعصوم (عليه السلام) ونسوا أساس الشورى الذي قررّه الله -بعد الامام- فاستلم الحكم مجموعة أضاعت مكاسب الثورة كلها.. ثم بعد ذلك عندما تبين لهم انحراف السلطة العباسية لم يقاومها الأكثرون، أليس ذلك لعدم الوعي؟، ونتيجة لاستفراد العباسيين بالحكم وديكتاتوريتهم بدأت التصفيات الداخلية شديدة وعنيفة بينهم، حتى أن أبا مسلم الخراساني -قائد الثورة ضد الأمويين- لم يسلم منها، ولقد عرف أبو مسلم ذلك فقال: إن مثلي والخليفة العباسي كمثل عابد رأى عظام أسد بالية فدعى الله أن يحييه مرة أخرى ولما استجاب الله دعاءه وأعاده حياً قفز الأسد على العابد ليفترسه فقال له العابد: أتفترسني وأنا الذي طلبت من الله إحياءك؟ فأجابه الأسد: إنك كما أحييتني تستطيع بدعاء واحد أن تميتني، ولذلك فضلت قتلك قبل أن تقتلني..
ويستمر أبو قاسم قائلاً: إن الخليفة ولعلّي أستطيع أن أقوم بثورة أخرى ضده وأطيح به، لذا يرى أن من الأفضل أن يقضي علّي قبل ان اقضي عليه!!
إن اكل الثورة لأبنائها طبيعي في حالة غياب الوعي الجماهيري وفي حالة عدم توزيع القوة وانحصارها بفئة واحدة.
إذن، يجب علينا:
أولاً: تحطيم الأنظمة الجائرة الحاكمة في بلادنا.
وثانياً: معرفة الطريق الطبيعي المؤدي الى إقامة حكومة إسلامية مكانها وفق الأسلوب الإلهي، وأن نعرف كيفية تحقيق الحريات فيها، والتقدم الصناعي والثقافي، ونعرف كيفية توزيع القدرات؟، وكيفية إحياء نظام الاقتصاد الإسلامي، الذي يغاير الاقتصاد الرأسمالي والشيوعي والاشتراكي والتوزيعي، وكيف نستطيع إزالة الحدود المصطنعة والجمارك؟.
وكيف نتمكن من اسقاط الضرائب اللإسلامية، وكيف نزيل الربا من البنوك عملياً دون أن تصاب البنوك باضطرابات مالية؟ وإلى آخر القائمة.. وإذا قمنا بذلك كله نكون قد قمنا ببند تشكيل الحكومة الإسلامية العالمية الواحدة.
اضافةتعليق
التعليقات