زينب ابنتي الصغيرة محظوظة أكثر مني، فجدتها لأبيها لديها صندوق من الحكايات القديمة، المملوءة بالحكم والمواعظ، وحكايات لاتنتهي، جدتها امرأة كبيرة، اخذ الزمن منها مأخذا، لكن بقي عندها الصندوق الأسود الذي يخزن كل القصص والأحداث، تشارك جدتها بكل التفاصيل، سجادة الصلاة، وتلك النظارات، والعباءة، تقلدها في كل شيء.
اختيارها في الكلام كان رائعا جداً، كل يوم قصة، بدأت معها من قصة الهدهد وسليمان إلى النملة، وأصحاب الكهف و ناقة صالح، وأما حكاية اليوم فكانت عن النبي إبراهيم الذي لم تحرقه النار، ويوم عن أهل البيت عليهم السلام، ويوم تحكي لها قصة قديمة عن الخنفساء، وعن الغراب.
أما أنا (أستمع كل كلمة) فأجد نفسي تلقائيًا ممددة على الاريكة، لا اخفي عليكم أحيانا أغفو منذ بداية القصة وحتى قبل ابنتي!!، وعندما اصحى من الغفوة القصيرة، تنتهي القصة، البيت الكبير صار الآن حجرة صغيرة الكل يجلس بقرب زينب ليستمعون الى القصة.
منذ عشرات السنين توفي زوجها، فانتقلت بكل محتويات بيتها لبيت والدها، ولم تتزوج مرة أخرى فقد نذرت عمرها لأولادها الخمسة، والآن هي جدة لعشرة أحفاد، تحتفظ بكل مايتعلق بالماضي حتى تلك الأطباق القديمة التي ما زالت تعتقد أنها فاتنة وغالية، وأن السجاد العتيق لايبدل ابدأ، ما زالت موجودة عندها، ملابس أطفالها مطرزة بالرسومات المطموسة على حوافها.
حين أفكر في عقلي عن حكاياتها التي سمعتها، أجد كل قصة فيها نوع من الحكمة والأخلاق وكأنما هي معلمة تعلم حفيدتها، فالمرأة العراقية البسيطة حلوة اللسان والفكر رغم ثقافتها القليلة، تجيد الكتابة اذا أرادت ابنتي حل واجبها، وترسم لها طيور وكوخ، رسمات تشعر فيها بالأمان والطمأنينة التي يحتاجها الطفل.
وتغرد لها باناشيد لم أسمعها من سواها مرة بالفارسي، وأخرى بالعربي.
فرحتها وهي تعانق حفيدتها ، تطعمها، تغفى على يدها، كم هي من نعمة عظيمة عند الله ، اشكر الله عليها وعلى وجودها معنا، بفضلها تعلمت ابنتي الكثير من الآداب.
الجدات جعلهم الله رحمة لنا، بعد زواج أبنائهم واعمارهم ليس أمامهن متسع من الوقت، لذا فانحيازهن للحفيد لا يستدعي خوف الأمهات، فالجدة تحب حفيدها أكثر من ابنها كما هو الدارج ((ولد الولد أغلى من الولد)) والأهم من ذلك أن طول العمر قد منح كلاً منهن قصة وعبرة مفيدة و جديرة بأن تنقلها درساً لحفيدة جميلة كابنتي زينب.
اضافةتعليق
التعليقات