عند دخولنا إلى معرض للألعاب، نسأل أنفسنا دائمًا: ما هي الاعتبارات التي ينبغي وضعها في الحسبان عند شراء لعبة ما؟ هل هناك معايير لاختيار هذه الألعاب؟ ما أفضل لعبة قد تُسعد ابني؟ أهي الألعاب الرخيصة أم الغالية؟ الألعاب التربوية الهادفة أم تلك العبثية؟
إن أهم معيار عند اختيار اللعبة هو الأمن والسلامة. فعلينا الابتعاد عن الألعاب الضارة مثل:
تلك التي يسهل ابتلاعها،
أو تسبب حساسية معينة،
أو المصنوعة من مواد سامة أو كيميائية،
أو الألعاب الحادة...
كما يجب أن تتناسب الألعاب مع أعمار الأطفال ونموّهم الجسمي والعقلي والاجتماعي والانفعالي. فإجبار الطفل على ألعاب تتسم بالجماعية في عمرٍ تميل فيه نفسه للنزعة الفردية أمرٌ غير محبوب. واختيار لعبة تحتاج إلى الفك والتركيب في وقت لا يسمح نموّه العقلي بالاستفادة منها أمرٌ غير محمود أيضًا.
فقد يُقيد قطار خشبي بسيط، يجرّه الطفل أو يدفعه في سنّ المهد، أكثر من قطار كهربائي أو لعبة إلكترونية ثابتة.
بمعنى أن اللعب الذي يستثير مرحلة عمرية معينة، لا يفيد الطفل في مرحلة أخرى.
وقد يندفع الأب أحيانًا إلى شراء ألعاب معقّدة، مدفوعًا بدوافع التقليد أو حب الزهو بامتلاك ابنه ألعابًا مثيرة، أو حتى بدوافع لا شعورية لتعويض ما فاته في طفولته المحرومة.
ومن الضروري أيضًا مراعاة الفروق بين الجنسين عند اختيار الألعاب، فهناك ألعاب مفيدة للبنات قد لا تناسب البنين، والعكس صحيح.
ففي الوقت الذي تفضّل فيه البنات ألعاب الدمى، والتدبير المنزلي، والمكعبات، يفضّل الأولاد الألعاب المتحركة، والآلية، وألعاب التحدي والمنافسة.
ويرى بعض الباحثين ضرورة مراعاة مستوى ذكاء الطفل عند شراء اللعبة، إذ يُفضّل عادة أن نشتري ألعابًا تثير ذكاء المتفوقين وتنمّيه.
توق (1978) يقترح مجموعة من الأسئلة المهمة قبل شراء اللعبة:
هل تستثير هذه اللعبة نشاطًا جسديًا مفيدًا للطفل؟
هل تتيح له فرصة الفك والتركيب والتجريب؟ وهل تُثير قدراته العقلية؟
هل تلبي حاجته إلى الاكتشاف والاستطلاع؟
هل تساعده على تحقيق نمو اجتماعي وانفعالي سليم يتناسب مع عمره الحالي؟
ويبدو أن الألعاب لا تُقاس بقيمتها المادية، فالألعاب الغالية يُطلَب من الطفل الحفاظ عليها، وسيُعاقَب إن أتلفها، بينما الألعاب الرخيصة - إذا كانت مناسبة - يلعب بها بحرية، ويجربها دون خوف من التلف.
لذلك، من الأفضل أن نترك الطفل يلعب بأسلوبه الخاص، يُخضع لعبته لأفكاره، يُفكّر في كيفية التعامل معها. فهو في ألعابه يفكّر، ويتخيّل، ويجرّب، ويستدل.
وعليه، يجب ألا نستسلم تمامًا لتعليمات مصمم اللعبة، بل علينا أحيانًا أن نشجع الطفل على اللعب بطريقة جديدة ابتكرها بنفسه.
ومن الاعتبارات المهمة أيضًا عدم حصر اللعب داخل المنزل فقط، بل يجب اصطحاب الأطفال إلى الحدائق العامة، لممارسة الألعاب الجماعية، ليُتاح لهم التفاعل والاختلاط والانطلاق.
صالح الطريقي (1985) في مقاله "لعب الأطفال: تسلية أم خطر؟" يعلّق:
إن الأب السعودي يدرك ما تعنيه اللعبة بالنسبة لأطفاله، ويعي ضرورة اقتنائها، إلا أنه يُخطئ عند اختيارها.
وجه الخطأ يكمن في أن الآباء لا يملكون الوقت الكافي لاختيار ألعاب أبنائهم، فيكون الاختيار عشوائيًا، بهدف التخلص من إلحاح الطفل، دون مراعاة السن أو الجنس.
ويميل الآباء غالبًا إلى شراء الألعاب الشائعة في السوق، ظنًا منهم أنها الأفضل، كالألعاب النارية، أو الصحون الطائرة.
ملاحظات حول أنماط اللعب عند الأطفال:
إذا شاهدنا الأطفال وهم يلعبون، ونظرنا في أنشطة اللعب التي يمارسونها، وكيفية تعاملهم معها، لوجدنا أمامنا نماذج متفاوتة من الأطفال:
هناك طفل يتعامل مع أقرانه بثقة واقتدار وعاطفة هادئة.
وآخر يُمسك دميته ويكيل بها الضرب والشتم.
وآخر يدلل ألعابه، ويحافظ عليها، ويرفض أن يلمسها أحد.
وآخر يعود لألعاب سبق له تركها في مراحل سابقة.
ونماذج أخرى أكثر خطورة تتمثل في الإعراض عن اللعب، ما يثير تساؤلًا عن مدى سويّة هذا الطفل.
وهناك أطفال يتفوقون في ألعاب الفك والتركيب، بينما يتفوّق آخرون في الألعاب الحركية.
اللعب كأداة تشخيصية:
اللعب هو لغة الطفل الرمزية للتعبير عن ذاته ومكونات نفسه، ومن هنا تنبع أهميته التشخيصية والعلاجية.
في مواقف اللعب يكون الطفل على سجيّته، وتتكشف تلقائيًا رغباته المكبوتة واتجاهاته. نستطيع من خلال اللعب تشخيص العديد من الحالات النفسية عند الأطفال.
فمثلًا: الطفل الذي يتردد في اللعب، يعاني من ضعف التوافق الاجتماعي ويميل إلى الانطواء.
الطفل الذي يُعرض عن اللعب قد يعاني من اضطرابات نفسية.
الطفل المحروم عاطفيًا - خصوصًا من نزلاء المؤسسات الاجتماعية - يُظهر ميلًا نكوصيًا، فيلعب بالدمى، مُجسّدًا العلاقة الطيبة بين الأم والطفل.
كذلك، يكشف اللعب عن رغبات الطفل المكبوتة، واتجاهاته النفسية، وموقفه من والديه أو معلميه، من خلال أنواع اللعب التي يختارها، والتي قد تكون رموزًا لهؤلاء الأشخاص.
وإذا لعب الطفل بألعاب سبق أن تركها، فهذا يُعد نكوصًا لمرحلة سابقة، نتيجة عجزه عن مواجهة واقعٍ معين.
اللعب وسيلة لتحديد المواهب:
يمكن من خلال اللعب التعرف على الأطفال ذوي المهارات أو القدرات الابتكارية، ما يسمح برعايتهم وتشجيعهم في سنٍّ مبكرة.
وقد أوضحت الدراسات أن هناك فروقًا بين لعب الأطفال الأسوياء والعصابيين والذهانيين، من خلال ملاحظتهم في غرف اللعب:
الطفل السوي:
يُبدي الرضى، يستخدم المواد بمرونة وخيال، ويميل إلى الألعاب البنائية، لا يُظهر انفعالات خارجة عن السيطرة.
الطفل العدواني:
يتصرّف وكأن الغرفة ملكٌ له، يميل إلى التخريب، ينجذب إلى الأدوات العدوانية، ويفتقر إلى الاستقرار الحركي.
المتخلف عقليًا:
يعجز عن الإنجاز، لا يُجيد استخدام المواد أو الدمى، لا يعرف وظائفها، ولا يتمكن من فك أو تركيب الألعاب، يفتقر إلى الابتكار.
الطفل الذهاني:
يُبدي أعراضًا غريبة، يظل صامتًا، ثابتًا في وضعية معينة، يتفحّص جسده، يُوسّخ ملابسه، يصرّ على نمط واحد من اللعب، ويُصاب بالذعر عند تغييره.
اضافةتعليق
التعليقات