كان الظلام يخيم بالمكان والهدوء القاتل يعم الأجواء وأنا جالسة في نهاية تلك الغرفة البائسة وأضع رأسي بين قدمي مغمضة العينين وكنت شاردة لا أعرف هل هو شرود الخوف من المجهول أم شرود اللاشيء، كانت السوداوية داخل عيني ترعبني من مستقبل مجهول وفجأة فصلني عن ذلك الظلام صوت أنين أمي المريضة....
هممت لأقوم لها سألتها ما بك يا امي هل تحتاجين شيء اومأت برأسها فهمت منها انها تريد ماء، اسندت رأسها وساعدتها على شرب الماء ولمست وجنتها كانت درجة حرارتها مرتفعة جدا احضرت ماء وبدأت اضع لها كمادات لخفض درجة حرارتها...
وشردت في ذهول يال امي المسكينة فقد تعبت كثيرا بعد وفاة والدي عندما كنت طفلة صغيرة وتخلى الجميع عنها وبقت تكافح وتعمل من اجل اعانتي واعانة نفسها.. وتساءلت كيف استطاعت ان تتحدى كل هذه الصعوبات وهي امرأة امية وبسيطة لاتمتلك اي شيء فقط تمتلك قلب ابيض وايمان بالله تعالى...
كم أنت مسكينة يا امي فقد نال التعب منك وغلبك المرض، نزلت دمعتي ووصلت على وجنتها فتحت عينها بصعوبة وبدأت تمسح دموعي وهي تتألم.. قلت لها سأتصل بالاسعاف لنقلك الى المستشفى اجابتني بصوت مرتجف لا يا ابنتي ان آواني قد آن فالمرض قد استولى على جسدي والموت حق علينا صرخت عليها امي لا تقولي هذا واجهشت بالبكاء اين ستتركيني وانا ليس لي احد سواك لاتتركيني استحلفك بالله.
اجابتني انت لست وحدك الله معك واذهبي الى ڪافل الايتام لن يتركك ابدا.. قلت ولكن من يكون هذا... اجابت انه الشخص الوحيد الذي وقف الى جانبي خلال هذه السنين العجاف التي تركنا والدك بها...
من هو يا امي!! ومن غيره كافل الايتام امير المؤمنين عليه السلام... استغربت، ولكن ياامي سيدي ومولاي روحي له الفداء قد استشهد وترك الايتام بلا كفيل منذ يوم استشهاده ولغاية يومنا هذا اجابتني بحدة لا لم يمت فهو موجود ويأتي الى كل شخص يناديه ويحتاجه لا يرد اي طالب حاجة ولايرد سائلا انه كافل اليتامى والارامل وانا كنت انخاه بكل مشكلة تستوقفني وهو ينقذني منها...
وبدأت سكرات الموت تكون واضحة على امي وقبضت على يدي وقالت اخر كلمة لها عندما يضيق بك الزمن نادي لأبي الحسن، وتركتني وذهبت والدتي اودعت امانتها لربها وبقيت انا تائهة بين ظلمات مستقبلي المجهول..
بعد اكمال مراسيم الدفن وانتهى كل شيء فلم يكن لنا احد سوى اقارب بعيدين وبعض الجيران ولم يقصروا معي فأنا ليس لي احد امي وحيدة اهلها ولي عم واحد ولم اره مطلقا لأنه قد هاجر قبل ان اولد.
بعد انتهاء المراسيم كل واحد ذهب الى بيته وانا بقيت في ذلك البيت وحيدة لا اعرف اين اذهب وماذا افعل فأمي كانت كل شيء لي وانا لم اتجاوز العشرين عاما قالت لي احدى قريبات امي ان اذهب معها ولكن كانت دعوة خجولة بدون اصرار...
حتى الدار الصغير الذي اسكن به هو ايجار والدتي كانت تعمل خياطة وتدير امورنا وفي الايام الاخيرة التي مرضت بها تسامح معنا صاحب الدار الى متى سيبقى متسامحا والى متى سيبقى ساكتا علي...
احسست ان الدنيا قد اسودت بعيني وشعرت انني اختنقت كيف استطعت ان تكملي حياتك يا اماه لوحدك ومعك طفلة ما الذي قواك على هذه المصيبة ومن سيقف معي في بلوتي هذه انهارت دموعي وبدأت ابكي بشدة وحيرة توضئت ووضعت سجادتي وصليت ركعتان لوجه الله وبدأت اناجي ربي اين سأذهب ومن سيتكفلني وانا على سجادتي تذكرت كلمات والدتي اثناء سكرات الموت وهي تقول لي ان التجئ الى كافل الايتام...
ترى هل كان كلامها صحيحا ام انها كانت تهذي ولم تعي ماتقول وكيف التجئ الى كاف الايتام؟
شعرت بخوف كبير خاصة بدأ الظلام يخيم خفت صرخت بكيت اين اذهب يا الهي دلني جلست وانا منهارة فلم اجد مكانا التجئ اليه غير ابي الحسن عليه السلام.
لبست عبائتي وقلت سأنفذ كلام والدتي خرجت كالمجنونة امشي بين الازقة والطرقات ووصلت الى باب حضرته كأنها روضة من رياض الجنة جاءت نسمات هواء عذبة على وجهي وكأنها تواسيني دخلت وانا لا يوجد بداخلي غير الحسرة و انين يتيمة لا تعرف اين تذهب قلت له ياسيدي يا ابالحسن جئتك ووفق وصية والدتي وانا ليس لي ملجئ غيرك فأنت كافل الايتام اكفلني بكيت وبكيت وجلست في حضرته و استغربت ان احساس الخوف ذهب عني وانا في حضرة الامام علي عليه السلام احسست بهدوء وسكينة وقررت ان ابقى هنالك في تلك الليلة وبينما كذلك نمت واذا في منامي ارى يدا تمتد على رأسي وتمسح عليه فتحت عيني وكان وقت الفجر قمت توضئت وصليت وبقيت لغاية وقت الظهر قلت في نفسي اذهب الى بيتي وارجع ليس لي مكان غير حضرة كافل الايتام خرجت وكان نصف همي قد ازيل شعرت بأرتياح اتجهت على بيتي ورأيت امرأة تقف عند الباب وعندما اقتربت منها كانت احدى زبونات والدتي كانت تأتي دائما لتخيط ملابس عند والدتي وعندما عرفت بوفاتها تأثرت كثيرا وجاءت لمواساتي، وعندما دخلت وجلسنا سألتني عن حالي وكيف اعيش وطئت رأسي وسكت، شعرت ان هذه السيدة لديها رغبة لمساعدتي عرضت علي ان اذهب لأعيش معها فرفضت.
بعدها عرضت علي أن أذهب معها الى بيت والدتها وهي امرأة كبيرة في السن وتعيش لوحدها وتحتاج الى من يعيش معها ويساعدها كان هذا العرض بالنسبة لي حبل النجاة وخاصة ان هذه السيدة انا اعرفها كانت تتردد كثيرا على والدتي، قلبي اطمئن الى عرضها وبهذا سيكون لي بيت آوي اليه وعمل اعيش من خلاله بكرامتي، وافقت وذهبت معها وكنت على يقين ان هذه العناية الربانية بفضل كافل اليتامى...
ومن يومها لم يتركني كافل الأيتام بكل موقف وشدة هو معي وأنا الآن متزوجة وأم لثلاثة أطفال ابني البكري اسميته علي.
إن قصتي ليست ضرباً من الخيال إنها حكاية واقعية وهذه قصة من آلاف قصص الأيتام التي يتكفلها الإمام علي عليه السلام فهو موجود عند كل دمعة يتيم وموجود في صرخة كل أرملة وموجود في وجدان كل من ناداه فكافل اأايتام لم يمت هو يعيش في قلوب الأيتام ويمسح على رؤوسهم يوميا.
اضافةتعليق
التعليقات