كثيرا ما يراودنا الشعور بالحاجة للتطلع وأخذ الكثير من التطور والتقدم الذي يتمتع الغرب به اليوم مقارنة بدول العالم الثاني والثالث، ونحب أن نستلهم منهم التجارب المادية التي حققت لهم هذا المجتمع الذي يبدو مزدهرا من الخارج ولكنه في الحقيقية هو متهالك وآيل للسقوط من الداخل، فهنالك الكثير من الثغرات التي خفيت على المشاهد، فمع وجود هذه الثغرات والنظام غير السليم والتشوش الأسري والسلوكي الذي يعيشه المجتمع فهل يحتاج الغرب إلى الاسلام؟
في الحقيقية إن الغرب الآن بحاجة الى الاسلام أكثر من أي وقت مضى، ليعطي للحياة معنى وللتاريخ مغزى وحتى يغير اسلوب الغرب في الفصل بين العلم والحكمة أو فصل التفكير عن الوسائل وفصل التفكير عن النتائج فالهدف الاساسي للعلم والتقنية في الحضارة الغربية لا يعدو فكرة السيطرة، وتأمين مصالح الافراد والجماعات والأمم تماما كما تؤمن هذه الحاجات المشتركة من غذاء وكساء وحماية من العدوان والمهاجمة اما العلم الاسلامي فمحركه الاساسي هو البحث عن آيات الله في الطبيعة وفي التاريخ لتحقيق مشيئة الله، دون الابتعاد عن الأسباب والنواميس الكونية في الغرب يجعلون الانسان منافسا لإنسان آخر، يحاول أن يستخدم علومه للتغلب عليه.
أما في الاسلام فالإنسان خليفة الله في الأرض ليوجد فيها الجمال الذي يليق بمشيئة الله. كما ان الانسان لا يضع حاجزا بين العلم والايمان، بل على العكس من ذلك يربط بينهما باعتبارهما وحدة متكاملة غير قابلة للتجزئة، ولا يفضل بين البحث عن الوسائل والنواميس وبين البحث عن النتائج والمعاني المترتبة عليها. انه لا يفصل بين ما يعلمنا اياه الفن والاختصاص الذي يعطينا السيطرة على الاشياء وبين عبادة المصدر الاول الذي أوجدها. وكذلك فالإسلام لا يفصل بين العقيدة وبين الاقتصاد والسياسة بل يربطهما برباط لا ينفصم. وعندما نريد ان نجسد معنى مالك كل شيء والقادر على كل شيء.
وحده هو الملك وهو وحده الآمر الحاكم العالم، نجد ان المفهوم الاسلامي للدولة وللحق هو عكس مفهوم الدولة والحق عند الرومان، فيختلف تبعا لذلك تعريف الملكية في الاسلام بالنسبة للحقوق، ونجد اختلافا وتميزا عن الحقوق في الشرائع الرومانية والرأسمالية كما تختلف مفاهيمها. فالله هو وحده المالك، وادارة خيرات هذا الكون وظيفة اجتماعية. فاستعمال الملكية له أهداف ابعد من الفرد ومن فائدة الفرد الشخصية، وهنا يبرز التضاد بين نظرية الفردية ونظرية الجماعة الاسلامية كفكرة وقولنا ان الله وحده هو الحاكم يجعلنا نستبعد حكم الملوك على أساس الحق الالهي مثل حكم لويس الرابع عشر في الغرب الذي كان (بوسويه) يقول عنه انه وكيل الله على الارض كما نستبعد الديمقراطية التي ترتكز في حكمها على شخص أو حزب فقط فنداء الايمان عند المسلمين «الله اكبر» يفسر معنى ملكية كل شيء والقدرة على كل شيء ومعرفة كل شيء، وهذا نداء الحرية الحقيقية، لأنه تأكيد على ابعاد الانسان السامية الحقيقية، أي أنه يستطيع (الانفلات) من ماضيه ومن غرائزه ومن طبيعته ومن عاداته، ويستطيع ان يصعدها ويردها الى القوة الالهية والانسان وحده هو الذي يملك هذه الامكانية للفصل، مع هذا الارغام القديم ، بين الدوافع وماضيها، وتقديم مستقبل مشرق للإنسانية فتاريخ البشر لا يشبه التطور الحيواني، على اعتبار انه مسرحية قد كتبت مسبقا بالنسبة لنا، وما علينا الا ان نلعب فيها ادوارنا الابدية. والتاريخ هو تطور مستمر للإنسان مع تتابع السنين والاعوام، ولدى الانسان امكانية استمرار النمو الحالي الانتحاري، بحصولنا فنيا على أدوات ازالة كل آثار الحياة عن سطح هذا الكوكب، وامكانية إنهاء ثلاثة ملايين من السنين من تاريخ البشر، بل امكانية الحاق التعفن بالتاريخ.
وهناك نوعان من الحرية: حرية الحيوان في اشباع حاجاته من خلق هذه الحياة وان نسعى لتحقيقه ونحن نملك من الآيات ما يمكننا من التوصل الى الايمان ابتداء بما يجرى في الطبيعة وانتهاء بتعاليم الانبياء والرسل، مع امكانية تعرضنا للوقوع في الخطأ. وهذا الخطأ هو الذي يجعلنا بشرا فالإيمان بالغيب يبدأ حيث ينتهى العقل. هذه القوة العلوية الربانية هي الأساس في كل حقيقة انسانية ان ما يميز حكومة المدينة التي انشأها الرسول ﷺ هو هذه نحن مسئولون عن تاريخنا، وان هذه الامانة الالهية التي استلمناها، والتي يقول فيها القرآن: «إنا عرضنا الأمانة على السماوات والارض والجبال فأبين ان يحملنها وأشفقن منها وحملها الانسان إنه كان ظلوما جهولا» . (سورة الأحزاب ۷۲)، فالطعام والسكن والكفاح هي كلها حيوانية والحرية الإلهية التي تؤكد على الحاجات الانسانية البحتة وعلى معنى حياتنا ومماتنا، اي ان نفتش عن هدف المولى عز وجل الابعاد التي لا يمكن تجزئتها من قوة علوية وجماعة اسلامية فالرسول أنشأ في المدينة دولة مثلى، لا يعتمد على روابط الدم او ترتكز على العلاقة بالأرض لدى المزارعين المقيمين، كما انها ليست حكومة مدينة تقوم على اساس وجود امة لها سوق واحدة. وليست حكومة تنبثق عن ثقافة موحدة على اساس عرق أو جغرافي أو ثقافي او على الماضي.
انما هي مجتمع رسولي مبنى على عقيدة مشتركة تحت رعاية الله. مجتمع مبارك مفتوح للإنسانية جمعاء. ان مجتمع المدينة يفسح المجال لإيجاد القاسم المشترك بين المجتمعات الاسلامية. قوة علوية إلهية، وذلك بالمقابلة مع مجتمعاتنا التي تتضخم وتنمو ولا يعتبر المستقبل فيها الا امتدادا للماضي والحاضر «الجماعة» هنا تقابل الفردية التي تؤدى الى كفاح الجميع ضد الجميع فالقوة العلوية الإلهية وعقلية الجماعة هما البعدان الوحيدان المتمثل في الإله من جانب والانسان من جانب آخر اللذان يحتاجهما الغرب اليوم حاجة ماسة.
اضافةتعليق
التعليقات