التربية عملية مستمرة وحيوية، تهدف إلى تنمية قدرات الفرد وتشكيل شخصيته، هي فن وعلم يجمع بين المعرفة والتطبيق للتوازن بين الجوانب العقلية والنفسية والاجتماعية ليكون عضوًا فاعلًا في مجتمعه مواجهًا لتحديات العصر. لذا فقد ركزت جمعية المودة والازدهار كعاتها على هذهِ النقطة الأساسية لبناء مجتمع راكز حيث أقامت ورشة الكترونية تحت عنوان (التربية الفاطمية على ضوء حديث الكساء) والتي قدمتها الأستاذة فاطمة مرتضى معاش/ اختصاص في علم النفس وباحثة في نهج البلاغة من تاريخ 21 جمادي الأول 1446 هـ الموافق 11/ 24/ 2024.
حيث ابتدأت معاش بطرح بعض التساؤلات في التربية التي تثار عادةً بين الأمهات: هل البنت يجب أن تلبس الحجاب منذ الصغر أو يجب لبس الحجاب عند البلوغ، هل يجب إعطاء الطفل كل ما يريد أو يجب أن أعلمه الصبر، هل يجب أن آمر الطفل بالصلاة منذ الصغر أو يجب أن نأمره عند البلوغ، هل يجب إعطاء الحرية للطفل أو إعطاء الحرية للطفل تجعله مشاغبا، لماذا هناك لدينا طرق مختلفة في التربية؟! لماذا في بعض الأوقات تكون هناك تعارضات واختلاف في الطرق التربوية في المجتمع؟! نحن اليوم في المجتمع نعيش حالة الضياع في التربية، ونركز على المشاكل السطحية التي تواجهنا، في حال أننا يجب أن نركز على المباني التربوية التي نلتزم بها.
ثم عرضت صورة لشجرتين واحدة منهما مليئة بالثمار والأخرى تحمل عدداً محدودا، ثم طرحت سؤالا عن سبب الفرق بينهما والنتيجة كانت لأنّ الجذور صالحة وقوية وبهذا شبهت جذور الشجرة القوية والعميقة والمليئة بالثمار بالمباني التربوية التي نتخذها في تربية الأبناء، فإذا كانت صالحة فتربية الأبناء أيضاً تكون صحيحة، فهناك نقطتان أساسيتان في التربية:
1) المباني والأسس التربوية.
2) الأساليب والطرق التربوية، نحن نأخذ الأساليب التربوية من المباني التربوية التي نعتقد بها، والأساليب التربوية تنشأ من مباني التربوية. إذا كانت المباني التربوية صالحة فالأساليب التربوية التي تنشأ منه ستكون صحيحة والنتيجة ستكون تربية صالحة لأبنائنا، ونحن كمسلمين ومؤمنين يجب أن نتخذ دين الإسلام كمبنى وأساس في تربيتنا، ويجب أن نربي أطفالنا كما يرضي الله سبحانه وتعالى، وعلى الأساس الذي علمنا أهل البيت (عليهم السلام)، لأنّ دين الإسلام يخلو من الخطأ، كما يقول الله عزوجل لنبيه: (ما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى*إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحى)[1]، الأساس والمبنى الفكري في دين الإسلام إما نأخذه من القرآن الكريم أو من أحاديث المعصومين (عليهم السلام)، ومولاتنا فاطمة الزهراء (عليها السلام) هي من أحد المعصومين اللاتي نستطيع أن نستند إلى أحاديثها في مبانينا الفكرية، كما يقول الامام الحسن العسكري (عليه السلام):«نحن حجج اللّه على خلقه، وجدّتنا فاطمة حجة اللّه علينا»[2]، وأيضا عن الامام الصادق (عليه السلام):«وَهِيَ الصِّدِّيقَةُ الْكُبْرَى وَعَلَى مَعْرِفَتِهَا دَارَتِ الْقُرُونُ الْأُولَى»[3]، و من الأحاديث الصحيحة التي وردت منها (عليها السلام) هو حديث الكساء.
وذكرت معاش أنّ هناك الكثير من الفوائد المعنوية لحديث الكساء ومعجزاته، ولكنها ركزت على بعض الأفكار التربوية الموجودة في هذا الحديث المبارك.
فقد ركزت على بعض الدروس التربوية من حديث الكساء: منها أنّ الله سبحانه وتعالى عرّف فاطمة الزهراء (سلام الله عليها) كمحور لأهل البيت (عليهم السلام) بقوله: «هم فاطمة وأبوها وبعلها وبنوها»، إنّ قضية حديث الكساء لم تحدث في بيت فاطمة (سلام الله عليها) ولكنها كزوجة وأم استقبلت كل أعضاء العائلة فرداً فرداً ورحبت بهم ترحيبا حارا وكأنها في بيتها وهذا ما جعل السكن والطمأنينة في العائلة حتى قال أميرالمؤمنين (عليه السلام) عنها:«لَقَدْ كُنْتُ أَنْظُرُ إِلَيْهَا فَتَنْكَشِفُ عَنِّي الْهُمُومُ وَالْأَحْزَان»[4]، يقول الله تعالى:«وَمِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْها وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ في ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُون»[5]. إنّ الزواج من نعم الله عزوجل حتى عبر عنه سبحانه:«إن في ذلك آيات»، ويكون الهدف من الزواج هو الوصول إلى السكون كما في الآية الكريمة، والسكون هو الاستقرار في مقابل الحركة وهو أعمّ من الاستقرار المادّيّ والروحيّ، والاستقرار الباطنيّ يعبّر عنه بالطمأنينة ورفع الاضطراب والتشوّش[6]، ونحن النساء يجب علينا أن نقيّم حياتنا أنه هل نشعر بالسكون، وإذا لم يكن جوابي ايجابياً فيجب أن أفكر وأبحث عن الأسباب وحلولها للوصول إلى الطمأنينة المطلوبة في الزواج، إنّ المرأة هي من تستطيع أن تجعل السكون والطمأنينة في العائلة والله سبحانه هو من أعطاها القابلية وذكاء هذه المهارة، وربما الرجل ليست لديه تلك القابلية، فإنّ المرأة تستطيع أن ترجع السكون والطمأنينة إلى العائلة، وطبعا في هذا الطريق ستواجه تحديات ومشاكل كبيرة، ولكن النتيجة ستكون مذهلة، وفي زمن النبي (صلى الله عليه وآله) عندما النساء اشتكوا إليه حرمانهم من ثواب الجهاد فقال (صلى الله عليه وآله):«جِهَادُ الْمَرْأَةِ حُسْنُ التَّبَعُّلِ»[7]، ففي الحروب نحن نرى نزف الدماء والأذى الكثير، وأيضا في جهاد المرأة سوف ترى الزوجة الكثير من الأذى وكسر القلوب، ولكن النتيجة ستكون مذهلة وهي رضا الله سبحانه ووجود الطمأنينة في العائلة، وأشارت إلى بعض الأمور التي من الممكن أن تسيء إلى هدوء وطمأنينة العائلة، وبينت العديد من الأحاديث التي تدل على أهمية الرحمة ومجازاة العائلة المتراحمة.
وأما درس آخر نستطيع أن نستفيد من الحديث هو توقير الطفل وذكر فضائله، فنرى أن مولاتنا فاطمة (سلام الله عليها) توفر السلام لأطفالها الصغار وتخاطبهم بألقاب جميلة، وهذا المدح مايؤدي إلى إعطاء الشخصية للطفل حيث يوجد حالة معنوية في نفسه تنتهي بالنتيجة إلى تكوين شخصية أكثر تكاملية للطفل كما ثبت ذلك في علم النفس، وما نقصده هو التوقير وليس التدليل، ويقول الشعر حول أهمية ذلك: «إن الغصون إذا قومتها اعتدلت* وليس ينفعك التقويم للحطبِ»، تحميل المسؤولية للطفل لإثبات الذات والشخصية فحاجة التقدير والأمان والمحبة هي الطريق لتحقيق الذات إذا أمنتها الأم لطفلها.
والدرس الآخر نستطيع الاستفادة منه هو الإدارة الصحيحة في العلاقة الموجودة فيما بين الأولاد، وهذا نستنتجه مما قالته (عليها السلام) لأولادها: (وعَلَیْك السَّلامُ یا وَلَدي وَیا قُرَّة عَیْني وَثَمَرَة فُؤأدي)، أنه يجب ابراز المحبة للطفل الأصغر أكثر ولكن في نفس الوقت يجب أن يكون ابراز المحبة بصورة أن لا تثير الحسد والكراهية عند باقي الأطفال، وشرحت هذه الدروس واستندت بأحاديث وأدلة علمية لشرحها.
وأشارت في النهاية أنه هناك الكثير من النقاط التربوية في حديث الكساء التي هي بحاجة إلى التركيز عليها ولكن هذا ما استطعنا أن نطرحهُ باختصار.
وفي نهاية الورشة ختمت الأستاذة معاش بدعاء للسيدة زهراء (عليها السلام):«اللَّهُمَّ فَرِّغْنِي لِمَا خَلَقْتَنِي لَهُ وَلَا تَشْغَلْنِي بِمَا تَكَفَّلْتَ لِي بِهِ»[8]، وفق هذا الدعاء الشريف أسئلة يجب أن أسئلها من نفسي: أنه بماذا أنشغل؟ ولأي أمر مهم خلقني الله؟ وهل أنا متفرغة له؟ وهل أضعه من ضمن أولوياتي؟ إنّ على كل أم أن تسأل نفسها هل تؤدي المسئولية بالنسبة لزوجها وأولادها بصورة صحيحة؟ وهل هم من ضمن أولوياتها هل أدت حقهم بشكل تام؟ الاجابة الصحيحة لهذه الأسئلة ستضعنا في مسير حياة مولاتنا فاطمة الزهراء (عليها السلام).
كما أعطت مساحة لطرح الأسئلة في شتى الأمور التربوية وأجابت عليها بشكل دقيق ومفيد.
والجدير بالذكر أن جمعية المودة والإزدهار للتنمية النسوية تسعى لدعم وتمكين المرأة والأم ثقافيا، وبناءها من خلال إقامة الدورات والندوات والنوادي الثقافية على مختلف الأصعدة.
اضافةتعليق
التعليقات