نوبات غضب ناجمة عن تغيير مكان الألعاب، وانهيارات عصبية جراء صراعات بين الأشقاء، وفورات غضب بسبب قيود وقت الشاشة.. كل مشاعر الإحباط هذه أصبحت مألوفة بين الأطفال الصغار، لكن بالنسبة لبعض الأهل، فإن هذه الانفعالات القوية تبدو أكثر من مجرد مرحلة عابرة.
فبحسب استطلاع رأي وطني جديد أجراه مستشفى سي. إس. موت للأطفال حول صحة الأطفال، فإن 12% من الأهل قلقون من أن غضب أطفالهم قد يؤدي إلى مشاكل.
وقالت سارة كلارك، المديرة المشاركة لاستطلاع الرأي وعالمة الأبحاث بطب الأطفال في جامعة ميشيغان في آن أربور، إنّ "ما يحدث لدى معظم الأطفال يخلق تحديات جديدة سنويًا. قد يحبطه أستاذ فصل دراسي، أو يغضبه زميل دراسة يجلس بجواره في الصف".
إليكم أفضل وأسوأ الأساليب لإدارة غضبكم بحسب خبراء
شمل استطلاع رأي "موت" 1031 من أهل أطفال تتراوح أعمارهم بين 6 و12 عامًا، وأُجرِي في أغسطس/ آب.
كما أعرب العديد من الأهل عن قلقهم بشأن المثال الذي يقدمونه لأطفالهم، حيث قال 70% منهم إنهم أحيانًا يقيمون أنفسهم كنموذج سيئ لإدارة الغضب.
وقال كلارك: "يبدو أنّ هناك مظاهر غضب علنية كثيرة من قبل البالغين.. من والديهم أو من شخص بالغ آخر، فهذه تعتبر أمثلة سيئة لكيفية إدارة غضبك وإحباطك".
ومع ذلك، يتمتّع الأهل بالقدرة على العمل كأمثلة إيجابية عندما يتعلّق الأمر بتنظيم المشاعر مثل الغضب.
وقالت الدكتورة نيهة تشودري، طبيبة نفسية للمراهقين والأطفال والبالغين في مستشفى ماساتشوستس العام، وكلية الطب بجامعة هارفارد: "إذا كان الأهل قدوة في كيفية الاستجابة للغضب بطريقة صحية، فإن الأطفال يرون ذلك وسيحاولون تجربته بأنفسهم. من خلال الاهتمام باستجاباتنا لمشاعرنا كبالغين، لدينا حقًا القدرة على التأثير في مسار حياة أطفالنا".
ما هي المؤشرات؟
قال 14% من الأهل إن أطفالهم يغضبون أكثر من أقرانهم من ذات العمر. كما أن هؤلاء الأهل أكثر عرضة للشعور بأنهم قد يستخدمون تقنيات سيئة لإدارة الغضب، والقلق بشأن المشاكل المحتملة الناجمة عن غضب أطفالهم وملاحظة أنّ أطفالهم يواجهون عواقب سلبية عندما يغضبون.
إلى ذلك، كانت نسبة المعاناة من عواقب سلبية بسبب غضب أطفالهم، أعلى بين الأهل الذين لديهم فتيان(43%) مقارنة بالأهل الذين لديهم فتيات (33%)، وترجم ذلك من خلال إيذاء أنفسهم أو الآخرين، أو مواجهة مشاكل مع الأصدقاء، أو التورّط بمشاكل في المدرسة.
وقالت الدكتورة كاتي هيرلي، معالجة نفسية للأطفال والمراهقين إنه "لا يتم تعليم الأولاد غالبًا كيفية التعرف على الغضب والتحدث عنه. عندما لا يستطيعون تسمية ما يشعرون به، فمن الصعب إيجاد مهارة تكيف للتعامل معه".
يمكن أن تساهم الجداول الزمنية المزدحمة أيضًا بظهور عوامل ضغط خفية، ما يؤدي إلى نوبات غضب أكثر. ورأت هيرلي أنه "بالنسبة للعديد من الأطفال، يوفر اليوم الدراسي ما يكفي من التفاعل الاجتماعي، ولا يحتاجون إلى أنشطة إضافية ومواعيد لعب يومية".
في حين أنّ استراتيجيات التنظيم العاطفي يمكن أن تساعد العديد من العائلات، فإن المساعدة المتخصصة تعتبر أيضًا خيارًا للتحديات المستمرة.
ولفتت تشودري إلى أنه "إذا استمرت السلوكيات لأسابيع من دون تغيير رغم أنك حاولت اعتماد مهارات التأقلم، أو إذا لم يكن طفلك يبدو على طبيعته، فقد حان الوقت لطلب المساعدة المهنية. في بعض الأحيان، يمكن أن تكون نوبات الغضب المستمرة علامة على أن طفلك يعاني من الاكتئاب، أو القلق، أو حالة صحية عقلية أخرى وأفضل طريقة لمعرفة ذلك هي الحصول على تقييم".
استراتيجيات إيجابية للتعامل مع الغضب
إنّ إدارة غضب الطفل ليست بالمهمة السهلة، خصوصًا أنّ كل طفل لديه احتياجات فريدة.
في الواقع، أفاد 30% من الأهل أنهم لم يتلقوا المشورة حول كيفية مساعدة أطفالهم على إدارة غضبهم. ورغم أنّ أكثر من 60% من الأهل يقولون إنّ أطفالهم تعلّموا تقنيات إدارة الغضب في المدرسة، فإن أقل من نصفهم يقولون إن المدرسة توفر الموارد لمساعدة الأهل على معالجة المشكلة في المنزل.
توصي هيرلي بالاحتفاظ بــ "متعقب المحفزات" لتسجيل تفاصيل مثل نوم طفلك، وعاداته الغذائية، إلى جانب ظروف نوبة الغضب، للمساعدة على تحديد الأنماط للتعامل بشكل أفضل مع تلك المحفزات المحددة في المستقبل.
كما أكد كلارك على أهمية إعادة صياغة الحالة، ونصح الأهل بعدم إلقاء اللوم على أطفالهم بسبب عواطفهم الشديدة. عوض ذلك، يجب أن ينصب التركيز على تعليمهم طرقًا أفضل للتكيّف.
وقال تشودري: "ما لا تريد القيام به هو جعل طفلك يشعر بأنه محط تقييم، أو معزول بسبب عاطفته القاسية. هذه هي اللحظات التي قد يحتاجون فيها إلى شخص بالغ موثوق به أكثر من أي وقت مضى، ليعلموا أن لديهم شخصًا في صفهم سيساعدهم على التعامل مع ما يشعرون به".
وبحسب كلارك، يمكن أن تتضمن الخطط الفعّالة لمعالجة غضب طفلك كلًا من الأساليب الاستباقية والتفاعلية. من المهم ممارسة هذه الاستراتيجيات خلال الأوقات التي لا يكون فيها الأطفال منزعجين، لذلك من الأسهل توجيههم نحو آليات التأقلم الصحية عندما يكونون كذلك.
قالت تشودري: "بعض المهارات الناجحة تتمثّل بالتنفس البطيء والعميق بحيث يتباطأ معدل ضربات القلب وينخفض مستوى التوتر، وتشتيت الانتباه بنشاط يتطلب منك التركيز على مهمة مثل العد للخلف بدءًا من 100، أو الانخراط في نشاط يطلق مواد كيميائية جيدة الشعور، مثل وضع سماعات الرأس لتشغيل أغنية تحبها، أو الذهاب في نزهة سريعة".
في حين أنّ ممارسات إدارة الغضب يمكن أن تفيد جميع الأطفال، تقترح هيرلي تقنيات محددة مثل كرة السلة في سلة المهملات للأولاد الذين قد يواجهون صعوبة في التعبير عن مشاعرهم، رغم أنها لاحظت أن هذه التقنية يمكن أن تنجح أيضًا مع الفتيات.
وقالت: "ساعدهم على كتابة مشاعر الغضب على أوراق ثم فليقوموا بتجعيدها فإلقائها في سلة المهملات! كما أن تمزيق الورق يعد طريقة جيدة لتخفيف التوتر أثناء التعبير عن الغضب".
من المهم أن نتذكر أن أدمغة الأطفال لا تزال في طور النمو، لذا فإن الصبر هو المفتاح عند مساعدتهم على التعامل مع المشاعر الساحقة.
وخلصت هيرلي إلى "أننا بحاجة إلى النظر للغضب من خلال العدسة ذاتها التي ننظر بها إلى المشاعر الصعبة الأخرى، مثل الحزن. إنه ليس سيئًا، نحتاج فقط إلى تعلم كيفية التعامل معه". حسب cnn عربية
اضافةتعليق
التعليقات