البصيرة: هي نورٌ يقذفه الله في قلب الإنسان المؤمن الموقن، يدرك بها بَواطنَ الأمور وظواهرها.. وهي عطاءٌ يمتحن به الإنسان ، ويقال للجارحة الناظرة بصيرة؛ انما هي بصر؛ نحو {كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ} و*قال تعالى {هَٰذَا بَصَائِرُ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ } {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي}. أما "نافذ البصيرةِ" في اللغة* هو: ذو ذهنٍ وعقلٍ ثَاقبٍ، ذكيٍّ، بصير بالعواقبِ متدارك لِما يَحْدُث.
وخير من اتصف بها هو أبو الفضل العباس (صلوات الله وسلامه عليه) "نافذ البصيرة" الذي نعتته بها الزيارات الشريفة الواردة عن الإمام جعفر الصادق (صلوات الله وسلامه عليه ) في مفاتيح الجنان منها: (وأشهد أنّك مضيت على بصيرة من أمرك)، (كان عمّنا العباس بن علي نافذ البصيرة صلب الإيمان)، (الراغبُ فيما زهد فيه غيره من الثواب الجزيل والثناء الجميل) ،(قد بالغتَ في النصيحة )..
ومن حسن وفائه ونفاذ بصيرته (صلوات الله وسلامه عليه) لم يهن ولم يفتر للحظة عن خدمة أخيه الحسين في كربلاء حتى استشهد ، وأبى ان يشرب من ماء الفرات العذب رغم تلوك كبده عطشا وقال : ( يا نَفْسُ من بعدِ الحسينِ هُوني وبعدَهُ لاَ كُنْتِ أنْ تَكوني).
عبارة لو كتبت بماء من الذهب لم تفِ بحق صاحبها "ساقي العطاشى، "نافذ البصيرة"، شهد له الأمام المعصوم علي زين العابدين (صلوات الله وسلامه عليهما) بقوله" رحم الله عمي العباس فلقد آثر وأبلى وفدى أخاه بنفسه حتى قطعت يداه فأبدله الله عزَّ وجلَّ بهما جناحين يطير بهما مع الملائكة في الجنّة) ، لهذا كان عزيز ا على قلب سيد الشهداء فقد أخيه "حامل لوائه" الذي نعاه متحسرًا عليه بقوله "الآن انكسر ظهري".
إذن فمَن يرى بقلبه وبصيرته حقيقة النصر والفتح الأخروي لا تهمه كثرة المكاره والخطوب، لهذا يعلل تهلل وفرح وجه الحسين وهدوء واطمئنان قلبه كلما اقتربت ساعة شهادته، وتسابق أصحابه وأنصاره الشهداء وتقاتلهم على الموت والشهادة ، وكأنهم يتقاتلون من أجل عروس اسمها "الحور العين". شهد بخطورة تلك البصائر عدوهم عمر بن سعد حينما صاح في قومه "أتدرون من تقاتلون، تقاتلون فرسان أهل المصر وأهل البصائر، وقومًا مستميتين" .
بينما الحال مختلف جدًا مع مَن تُسلب منه تلك النعمة "نفاذ البصيرة " ،خسر الدنيا والآخرة ، والأمثلة على ذلك كثيرة جدًا ، فمنهم من لم يبصر حقيقة ومقام نبيه الكريم محمد صلى الله عليه وآله "ك"ذو الخويصرة التميمي"؛ أحد منافقي الأنصار الذي قال " يَا رَسُولَ اللَّهِ اعْدِلْ بعد توزيعه غنائم "حنين".
ومنهم "الناكثون والقاسطون والمارقون" الذين جهلوا مقام وحق إمام زمانهم ، وخرجوا عليه مرتدين ومحاربين ومعاندين في الجمل وصفين والنهروان، لضعف بصائرهم واختلاط الحق بالباطل عليهم ، كما قال الإمام أمير المؤمنين (صلوات الله وسلامه عليه) : "العارف بزمانه لا تختلط عليه اللوابس" ( إنما سميت الشبهة شبهة لأنها تشبه الحق،..) ، وأقرب مثال على ذلك حينما خَدع عمر بن العاص أبو موس الأشعري في واقعة "صفين"، عندما أمره "أثناء التحكيم، "بالشورى" لتفادي وقوع الفتنة بين الطرفين ، مع انه لا معنى للشورى أمام وجود النص لكن من لا بصيرة له يخدع. وانتهى التحكيم بتثبيت الأول صاحبه "معاوية" الممثل "للفئة الباغية" ، بعدما خلع الثاني بيعة وخلافة من هو في صحبته "علي يعسوب الدين" المنصوص عليه وعلى إمامته في القرآن الكريم، لم يفقهوا قوله صلوات الله وسلامه عليه حينما قال (أنا فقأت عين الفتنة ولم يكن ليجترئ عليها غيري).
وكل ذلك كان من أجل مسميات {..مَّا أَنزَلَ اللَّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ..} ، تلاشت مع مهب الرياح ، كمثل "خير صحابي لرسول الله" و"أمومة صاحبة الجمل" و"ورفع معاوية لمصاحف يوم صفين"، "وطول عبادة خوارج أهل النهروان"..
سوف يبقى مثل ذلك البلاء ملازمًا لمن لا بصيرة ولا رشد له ، حتى زمن ظهور المهدي بن الحسن" عجل الله تعالى فرجه الشريف"، الذي ستخرج عليه مثل تلك الفئات البترية الباغية التي ستدعي انها من شيعته وستقول له: ارجع من حيث جئت فلا حاجة لنا في بني فاطمة فيضع فيهم السيف حتى يأتي على آخرهم، ثم يدخل الكوفة، فيقتل بها كل منافق مرتاب، ويهدم قصورها، ويقتل مقاتليها حتى يرضى الله عز وعلا.
اضافةتعليق
التعليقات