اعتادت (أسيل) وهو اسم مستعار على تدهور صحتها كل نهاية الشهر ليكون أول مكان تزوره بعد ان تتقاضى راتبها الشهري من عملها هو زيارة الطبيب وكأنه أمر حتمي الحصول لا محال، على حد قولها!
حدثتنا قائلة: تكررت زيارتي للطبيب بعد زواجي بشهرين الأمر الذي أثار امتعاض زوجي وشعوري بالاندهاش فأنا كنت بصحة جيدة لم أعاني يوما حتى من الصداع، أخبرتني أمي أن ما أمر به هو أثر الحسد وكنت أواصل الضحك بسخرية لأفكارها غير أن الامر خرج عن المألوف فبدأت التقصي حول الامر لأجد ان سلفتي (زوجة اخ زوجي) تنهار حينما اذهب الى العمل كل صباح وتخلق المشاكل، كانت غيرتها تدفعها لفعل اي شيء (تراقب ملابسي، خروجي مع زوجي، ارتدائي لمجوهراتي) وفي ختام الامر قالتها لي بشكل مباشر معلنتةً غيرتها مني بجنون لأني امرأة عاملة واتقاضى راتب ادركت في حينها ان امي كانت على حق وان ما امر به هو اثر ما تسببه مراقبتها لي وهنا بدأت أواظب على قراءة المعوذتين كل يوم و التفكير بالانتقال لسكن مستقل لتجنب المشاكل.
أحجية الحسد
(صابتني عين) غالبا ما تتردد هذه الجملة في مناسبات مختلفة الا ان البعض يتنكر لهذه الخصلة الذميمة على الرغم من ورود آيات قرانية واحاديث نبوية تدل على وجود الحسد فلربما الامر يتعلق بقلة الايمان والثقة بالمشيئة الالهية وحكمها على حياة الانسان ومجريات اموره.
وبغض النظر عن مدى مفهوم الحسد من الناحية العلمية أو العملية، الا انه لم يسبق لنا مزامنة بحث علمي أو نظرية تثبت وجود قوة أو طاقة تنبعث من انسان لتؤثر بإنسان آخر وتغير من احداث يومهِ أو حياته، وللكشف عن احجية الحسد المريبة وما له من ابعاد فكرية كان لـ (بشرى حياة) هذا الاستطلاع:
تؤكد التدريسية احلام عبد الامير، بأن الحسد موجود ومذكور ولكن ليس بالمفهوم القدري والحتمي الذي يعتقد به أغلب الناس، فهي تعتقد ان الحاسد ترتبط نظرته بشعور التمني أو رغبة أو حسرة بداخل النفس الانسانية تجاه الآخرين لما يمتلكونه هم ولا يمتلكه غيرهم أو يتمنوه، أي أنها لا تعدو كونها خاطرة في نفس الانسان لا تختلف شيئا عن خاطرة الكره أو البغض أو الأنانية أو الحقد و غيرها، فليس لها سلطة على إيذاء الآخرين أو تسيير أحداثهم بشيء قدر ما تؤذي صاحبها وحاملها نفسه بما تسبب له من سوء السريرة وتلوث نفسه وقلبه من الداخل.
من جانب اخر اضاف الاستاذ الجامعي عادل الفتلاوي : بحسب رأيي المتواضع أن ما يصادفه الانسان من حوادث هي أمور مقدر لها أن تحدث ومقدر له أن يواجهها فالمشيئة الالهية وحدها هي من تجلب الخير له ويدفع عنه السوء، اما ما يتزامن مع مرأى ومسمع البشر كأن تسمع من يقول (اليوم الذي ألاقي فيه هذا البني آدم سيحدث لي فيه شيء ومكروه ) ربما هذا المكروه هو حادث واقع سواء رأيت هذا الشخص بنفس اليوم أو لم تراه كل ما في الامر انه ربط ما حدث له من سوء به وجعل من هذا الشخص سببا لذلك وهذا يعود لتفكير الانسان واعتقاده وحده حتى وان حدث فعلا وتحقق ما يخشاه عند رؤيته فالأمر لا يعد كونه اكثر من صدفة.
الحسد حالة نفسية
وكانت لنا وقفة مع الاستشارية النفسية نور مكي الحسناوي قالت من خلالها: إن من يلجأ إلى الحسد والنظر إلى ما عند الاخرين هو شخص سلبي في تعامله فبدل من تمني زوال نعمة الاخرين عليه ان يجتهد ويأخذ بأسباب النجاح والتفوق كي يحقق مثلها وربما أفضل منها، ولكن غالبا ما يفشل الحاسد بذلك فهو يشعر بالغربة الاجتماعية و ميولا عدوانيا وسلبية لإيذاء الاخرين وذلك بسبب فقدانه للعاطفة اتجاه المقابل.
وتابعت مؤكدة : ان الحسد يعد حالة نفسية سلبية تدفع الحاسد إلى التفكير بطريقة المقارنة الكارهة للواقع الذي يعيشه، فهو يرى أن ما يحصل عليه الآخرون لا يستحقونه وأن المستحق الأصلي هو نفسه، وهذا التفكير ضار جداً لتأثيره الكبير في النفس ومساهمته في نمو مشاعر القلق والحقد ويدفع به أحياناً إلى الغضب والأنانية.
وحول معالجة الشخص الحاسد اضافت قائلة: ليس من السهولة تخطي هذا الامر ولكن ان ادرك الحاسد مرضه يمكن علاجه من خلال تغيير مسارات التفكير الخاطئة لديه المقرونة بالغيرة وذلك من خلال الطب النفسي، أما المحسود فيتم علاجه بما وراء علم النفس (الباراسيكولوجي) وهو علاج الطاقة.
فيما اوضح الشيخ حيدر الساعدي مفهوم الحسد قائلا:
الحسد هو تمني زوال النعمة عن الآخرين، وهو أمر محرم ومذموم، وفيه اعتراض على الله تعالى من خلال قوله (أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله) وهذه الآية استنكار للحسد الذي نراه اعتراضاً على الله في قسم الأرزاق وتوزيع النعم، فهو الحكيم جل جلاله الذي يفعل الأشياء لحكمة بالغة لا يدركها كثير من الناس.
واضاف: كما ان الحسد آفة تقتل وتدمّر المرء دون أن يشعر فهناك من يربط الأحداث المصيرية في العالم سواء الفردية أو المجتمعية بالحسد والعين والسحر والشعوذة، ولا يمكننا ان ننكر عدم وجود الحسد والغيرة والكيد واللؤم وغيرها من الطباع البشرية وليس بوسعنا جزم عدم ثبوت أضرارها ومساوئها على خلق الله أجمعين لأنَّ الحسد ذُكر في كتاب الله في مواضع كثيرة ليبين لنا خطورة الحسد على النفس البشرية وكيف تدفع هذه الصفة المذمومة صاحبها إلى ارتكاب الحماقات والجرائم استجابةً لوساوس الشيطان وإشباعاً لإلحاح النفس الأمارة بالسوء.
ختم حديثه: حينما يحذرنا الله من أمرٍ معين كالحسد يورد لنا الحل والعلاج فهو الرحيم بعباده فإسلامنا يحثنا على ضرورة قراءة الرقية الشرعية على أنفسنا وأطفالنا والمواظبة على قراءة أذكار الصباح والمساء وتلاوة القرآن والسور القصيرة كالمعوذتين وذلك للتحصن بآيات الله من كل سوء يمكن يصيبنا ومنها الحسد.
اضافةتعليق
التعليقات