تعتبر الأديبة إيناس البدران من الأصوات الأدبية المؤثرة في المشهد الثقافي العراقي، ولها باع كبير في كتابة القصة والرواية.
قادت منتدى نازك الملائكة، وأسست حفلا مغايرا في أستقطاب المتلقي المثقف.
صدر لها "عيون النمر" مجموعة قصصية 2003، و"حب في زمن الحرب" رواية 2004، وهناك مجموعة قصصية أخيرة "حافات الحلم" يضم قراءات ورؤى نقدية لباقة من الأدباء المتميزين .
تقول البدران: أحاول عبر قصصي ان اعكس حالة العزلة التي يعيشها بطل القصة المعاصر. لقد عانت الأديبة العراقية ماعانتة من جراء الحروب والفوضى بالاستغناء عن تجربتها الإبداعية وتأكيد بصمتها على خارطة الإبداع العراقي.
وأشاد بتجربتها السردية الكثير من النقاد العرب والعراقيين، سواء في فن الرواية أو القصة، كما لها تراجم عن الأنكليزية لعدد من الأعمال الأدبية في الشعر والمقالات.
نشرت العديد من البحوث والدراسات في الصحف والمجلات العراقية، وقريبا من مشغلها الأدبي كان هذا الأعتراف.
* من اين بدأت مع القصة او الرواية؟
-كلتاهما استحوذتا على اهتمامي في وقت مبكر، شدتاني الى عوالمهما الداخلية الباهرة، فلكل سحرها وميزاتها مع وجود مشتركات ذات سمات معينة، فالقصة هي اول الأنواع الأدبية طبيعة وأكثرها استمرارا، كما انها اكثر الفنون الأدبية ديمقراطية اذ ان كل شخص بمقدوره رواية قصة وقد يجد من يصغي اليها اذا كانت مشوّقة كفاية، والقصة قد تبدو لغير الكاتب سلسة كالزواج الناجح يسهل تحقيقه ظاهريا الا انه يتطلب في حقيقة الأمر الكثير من الجهد والتفكير تحت السطح، وللقاص هي قضية أخرى ذلك انها تمثل مزيجا من صراعات شتى يضم بين ثناياه جهدا واعيا لحواس راصدة تلتقط ما لا يلتفت اليه الانسان الاعتيادي المهموم بمتطلبات الحياة اليومية، ذلك ان الكتابة القصصية ليست عملية استنساخ للواقع عبر أفكار تدور في الذهن بقدر ما هي عملية توليد أفكار جديدة تماما عبر هدم الواقع وإعادة صبّه على الورق وفق رؤى وقناعات القاص، كما انها ليست محاكاة للآخر او تقليد له وإلا لأصبحت كتابة بقلم من رماد، ففي الحياة ثمة لحظات متوهجة ومواقف ورؤى لا تستوعبها الا القصة التي تشكل عملية اقتطاف لومضة خلاص من واقع جاثم بضغوطه و غثياناته على رئة الوعي، لذا شبهها البعض بضربات فرشاة لرسام على جانب من اللوحة، اما الرواية فإنها تفترش اللوحة برمتها فهي كيس يتّسع لكل شيء، حياة كاملة بكل تفصيلاتها وأبعادها كون مادتها قابلة لامتصاص كل ما يدور ويحدث حول الروائي من احداث ووقائع وصراعات داخلية وخارجية إضافة الى قدرتها على الاقتباس من فنون أخرى كالتشكيل والمسرح والسينما.
* انت من أسس منتدى نازك الملائكة ماذا أضاف اليك المنتدى؟
-لم تأت فكرة تأسيس منتدى نازك الملائكة بقصد التجنيس كما قد يظن البعض وإنما لتسليط الضوء على منجز الاديبة العراقية التي عانت ما عانته جراء الحروب والفوضى لإغناء تجربتها الإبداعية ولتأكيد بصمتها على خارطة الابداع العراقي اسوة بزميلها الاديب، ولا شك ان أي عمل اداري غالبا ما يستهلك كما كبيرا من طاقة الاديب وجهده الفكري ووقته وقد يأكل من جرف ابداعه الا ان النشاطات الثقافية التي قمنا بها من ندوات وجلسات قراءات ومسابقات بعضها بالاشتراك مع وزارة الثقافة وورش ومطبوعات وغيرها كلها مدتني بالخبرة المتراكمة وعمّقت أواصر صداقتي بزميلاتي وزملائي من الوسط الثقافي في العراق وخارجه.
وحاليا اكرّس جلّ وقتي ونشاطي الى مشروع ثقافي اسسناه مع باقة من رموز الثقافة والفكر والادب يحمل اسم الجواهري الكبير تحت عنوان "رابطة الجواهري الثقافية "وهو تجمع يعني بالأدب والثقافة بغية مدّ جسور التواصل والتآزر بين مكونات النسيج الثقافي العراقي من كتاب وكاتبات مبدعين ومبدعات على اختلاف مشاربهم وانتماءاتهم الفكرية وبين الكتاب والادباء في كل مكان مثل معهد غوته والمركز الثقافي الفرنسي وغيرهما.
* كيف ترين المثقف العراقي في ظل هذه الظروف؟
-الثقافة أداة الحضارة في تجديد ذاتها، هي ذاكرة المجموع ومكمن ابداعها وعراقتها وسجل تاريخها في الحضارة الإنسانية، والمثقف في كل زمان ومكان من الشخصيات القليلة الباقية لكي تقاوم.. تقاوم التكلس الفكري والضحالة والظلم، والغاية من نشاطه دائما هي اعلاء شأن الانسان والدفاع عن حقوقه واستدراجه للتمتع بحرياته المشروعة، ولا شك ان المثقف العراقي عانى لعقود بل لقرون اذ وجد نفسه امام خيارين لا ثالث لهما اما الالتحاق بصفوف السلطة او الانعزال والصمت.
بعد 2003 وجد المثقف نفسه يعاني مما يمكن تسميته بحالة فوبيا الحرية بسبب التناقض الذي يعيشه والرمال المتحركة التي وجد نفسه يقف عليها ناهيك عن اقصائه وتهميش دوره الامر الذي انعكس سلبا على عطائه وعلاقاته. ان الثقافة الحقة تستوجب توفر أجواء ومناخات من الاستقرار والسلام وفضاء من الحرية والديمقراطية كيما تنمو وتزدهر، لذا يمكن القول ان ثقافتنا للأسف مازالت تتشكل بهيئة مجاميع تغلب عليها الشلليّة والمزاجية، وكل ما يصدر اليوم من نتاج فكري وابداعي وعطاء هو في الغالب جهد فردي بلا دعم مؤسساتي.
* هل يمكن اعتبار الرواية تفنيدا لواقع الحياة بأسلوب ادبي؟
- تعدّ الرواية التعبير الاوضح لروح عصرها ووسيلتنا ضد النسيان، هي بمعانيها الواسعة تجسّد العالم العياني للحياة والانسان في رحلة صراعه وبقائه وهي بهذا المعنى تشكّل انعكاسا لوعي الانسان الذي استلبته الحروب والصراعات الداخلية والخارجية لتحيله الى ترس في آلة ضخمة بلا قلب ما يسهل استبداله، او الى رقم على لائحة انتظار طويلة.
في الرواية يستخلص الروائي من اللغة اصفى ما فيها من قدرات تعبيرية ويعمل على تقديم اقصى ما لديه من خزين وتجربة وخبرات متراكمة وخيال جامح مع ما فيه من ادهاش وغرائبية، انه يقرع ناقوس الخطر يبث غبار الأسئلة يشير الى الخلل.. الى ان منطق العالم يتجه الى غير ما يأمل المثاليون، وعند هذه النقطة قد يختلف البعض في رؤاهم الا انهم بلا شك متفقون على ان العالم يسير بهم جميعا نحو المجهول.
* كيف تقييمين أداء المؤسسات الثقافية الرسمية وما السبل لتحسين أدائها وتفعيل دورها؟
-ابتداءا، المؤسسة الرسمية الثقافية تمثل العراقيين جميعا بكل اطيافهم واعراقهم و قومياتهم لذا فإدارتها يجب ان تخرج من لعبة المحاصصة السياسية لتعبر عن الهوية الوطنية العراقية، وأن تكون موازنتها موازية لحجم المهام والنشاطات الكبيرة المتشعبة لا هزيلة غير قادرة على دعم صحيفة نصف شهرية او قناة فضائية محلية، ومن الضروري اشراك المثقف العضوي في رسم خارطة سياستها ونشاطاتها داخل وخارج البلد. وأن تسهم بفاعلية عبر دوائرها المختصة كدار الشؤون الثقافية وغيرها بالنهوض بمشكلات صناعة الكتاب طباعة ونشرا وترجمة وتصديرا للكتاب العراقي الذي يعاني حصارا غير مبرّر .
* هل تتناول قصص ايناس البدران شخصيات تاريخية او اسطورية او أدبية؟
- الكاتب في رحلة دائبة نحو المجهول بحثا عن كنه ذاته والذوات الأخرى، قد يعتمد التاريخ معبرا للتعبير عن الحاضر عندها تتجلى المشاعر في ابهى صورها كسر من اسرار الوجود. فالأدب لا يستقر على وتيرة واحدة ولا يتجه نحو هدف بعينه انه متشعب كشعاع الشمس ينبع من مصدر واحد الا انه ينبث في كل اتجاه باحثا عن الحكمة حيث تختبئ وعمّا تجيش به الصدور مثيرا غبار الأسئلة، انه يجدد يشاكس يبتكر يدهش يتجاوز المألوف.. هذا هو الادب الذي يستحق ان يقرأ و يعيش طويلا بعد صاحبه.
أحاول عبر قصصي ان اعكس حالة العزلة التي يعيشها بطل القصة المعاصر "اللابطل" ومعاناته اذ يعيش حالة الانتقال من البراءة التي تعدّ نعمة الى التجربة والحكمة الراضخة، وتأتي مأساة الحروب بكل تبعاتها لتحرقه في اتونها.. وبالرغم من الاستلاب والوأد النفسي والتهميش يظل متمسكا بمبادئ الحب والخير والامل كطوق نجاة.
*هل لديك مشاريع أدبية مقبلة؟
- بعد صدور مجموعتي القصصية الأخيرة "حافات الحلم" انتهيت من الاعداد لكتاب يضم قراءات ورؤى نقدية لباقة من الادباء المميزين الذين استوقفتني نتاجاتهم الشعرية والقصصية والروائية. وسيصدر قريبا بإذنه تعالى.
* هل تحتكمين لآراء النقاد بشكل نهائي؟
النقد نتاج محايد للنص يعقبه ويسير بالتوازي معه وهو ترمومتر موضوعي لبلاغة المكتوب، ولا نبالغ حين نقول ان في داخل كل اديب تتجاور ملكتان هما الكتابة بكل ما تحمله من وهج وابتكار وتجاوز للمألوف، والملكة الثانية هي النقد الذاتي لنتاجه حين يبلغ مرحلة من الوعي والتقييم والتشذيب لنصه فيعمد الى شدّ المتراخي والاضافة والحذف مع ترك مساحة للصمت وهو ما يدعى بنقد الادباء الذي يمارسه الاديب بوعي وموضوعية لمنجزه. ومازال هناك من بين النقاد من ينصّب نفسه وصيّا على النص في محاولة لحشره في قوالب مسبقة او اخضاعه لمعاييره الشخصية او المزاجية، الامر الذي يغمط النتاج الإبداعي حقه ويحدّ من انطلاقته وهو امر تجاوزه النقد العالمي منذ عقود، ذلك ان الابداع يقوم على التجريب والتجديد والابتكار.
اضافةتعليق
التعليقات