نجد اليوم الكثير من الناس يندفعون إلى الكذب بحجج كثيرة حيث يحاول البعض أحيانا إلى اختيار كلمات أقل قسوة لوصف الحقيقة الصادمة، فنجامل ونبالغ من أجل حماية مشاعر من نحبهم، دون معرفة أن مجاملتنا كذب، لكن متى نقول إننا مصابون بالكذب القهري؟.
الكذب المرضي هو سلوك الكذب بشكل قهري، وقد وصف لأول مرة في الأدبيات الطبية في عام 1891، ولكنه يظل موضوعًا مثيرًا للجدل، وقد يكون الفرد فيه مدركًا بأنه يكذب أو قد يعتقد أنه يقول الصدق، وعادة ما تكون القصص والأقوال المكذوبة مبهرة للسامعين، ولكنها لا تتجاوز حدود المعقولية، ولا تكون مبنية على أوهام في ذهن الكاذب ولا ناجمة عن إصابته بالذهان، وقد يعترف بأنها كذب محض عند مواجهته، ويكون الميل عنده للكذب والتلفيق مزمنًا، فلا يكون في ظرفٍ حادثٍ يستدعي الكذب ولا بسبب ضغط اجتماعي عليه بقدر ما هو سمة فطرية في شخصيته.
ومن مزايا الكذب المرضي أن الدافع للكذب والمحفز عليه داخلي في نفس المتحدث وليس لغاية أو سبب خارجي، فمثلاً لا يُعد الكذب على الآخرين للحصول على وجاهة معينة بينهم أو لتحصيل منفعة منهم كذبًا مرضيًا وإن تكرر مرارًا وتكرارًا.
وهناك بعض الأكاذيب التي يرويها هذا الشخص من أجل أن يبدو بطلًا أو يكسب المحبة والتعاطف ممن حوله، كما تبين أن بعض المشكلات التي تؤثر على الجهاز العصبي المركزي قد تدفع إلى المعاناة من الكذب المرضي، إلى جانب الاضطرابات النفسية وإصابات الدماغ وتغير مستويات هرمون الكورتيزول بالجسم، وفقًا لموقع "health line".
تناولت دراسة أجريت عام 2016، ما يحدث بالمخ عندما يكذب الشخص، حيث تبين أن عدم قول الحقيقة عدة مرات، يجعل الكذب أكثر سهولة وتكرارًا.
طبيعة الكذب المرضي
يُعتقد أن الكذب المرضي شائع بين الرجال والنساء. الإجماع هو أنه، في معظم الحالات، يبدأ الكذب في مرحلة الطفولة أو المراهقة ويستمر طوال حياة الشخص. على الرغم من أن الكذب أمر طبيعي من الناحية التطورية عند الأطفال حيث قد يكذبون للهروب من موقف أو يكذبون للحصول على شيء ما، إلا أن المشكلة تبدأ عندما يصبح الكذب مستمراً. حتى أنه قد يصبح ضارًا بالحياة اليومية. في هذه المرحلة، تصبح طبيعة الكذب مرضية.
إذا كان الشخص بعيدًا عن العادة ولا يمكنه التحكم في هذا السلوك، فيُعتبر كاذبًا مرضيًا. ينتهي بهم الأمر أن تصبح طريقتهم في العيش. بالنسبة لهم، يبدو الكذب أكثر راحة وملاءمة من قول الحقيقة. يأتي هؤلاء الأشخاص عادةً من بيئة غير مستقرة عاطفياً ، أو يجدون صعوبة في التأقلم مع مشاعر القلق والعار، أو لديهم تدني احترام الذات.
هل أنت كذاب؟
يمكن وصف شخص بأنه مريض بالكذب القهري إذا كذب بطريقة روتينية، وغير مبررة، ولم يمارس عليه ضغط ليكذب، فإذا كذب سارق فذلك من أجل الإفلات من العقاب، لكن إذا ادعى متسرب من التعليم أنه نال درجة الدكتوراه، وبنى حياة كاملة على أكتاف تلك الكذبة، فذلك كذب قهري.
ويندرج الكذب القهري تحت الكذب المرضي، ويعني الأخير توهم المريض صدق أكاذيبه، لأنه في كثير من الأحيان يروي قصصا تقع بين منطقة الكذب الواعي وغير الواعي في عقله.
ويرتبط الكذب القهري باعتلالات نفسية عدة، مثل اضطراب الشخصية النرجسية، أو اضطراب الشخصية المعادية للمجتمع، لكن ارتباط السيكوباتية بالكذب أمر جديد، أكده باحثون من مدرسة إيراسموس للعلوم الاجتماعية والسلوكية (ESSB) في مايو/أيار الماضي.
ومع أن الكذب سمة أساسية من سمات السيكوباتية، فإن معظم الناس يكذبون دون تصنيفهم على أنهم مختلون عقليا.
أنواع الكذب
ينقسم الكذب إلى مستويات حددتها الأخصائية النفسية ليزا فايرستون، في مقالة على موقع "سيكولوجي توداي" (psychologytoday):.
الكذب الأسود: ويعد كذبة مكتملة مثل إطلاق شائعة لتدمير حياة شخص.
الكذب الرمادي: هو نصف الحقيقة، كأن تسرد لصديقك جانبا من مشكلة مع شخص آخر، في حين تهمل سرد تفاصيل صغيرة لكنها مهمة.
الكذب الأبيض: ويتخذ أشكالًا عدة، منها:
الكذب بالإغفال: يقع ذلك إذا قررت عدم ذكر حقيقة مهمة لتجنب إثارة مشاعر الآخرين.
المبالغة: أن ترسم صورة أجمل عن نفسك، لنيل إعجاب الآخرين، لكن ينبغي التمييز بين تضخيم مهاراتك، والادعاء بإجادتك مهارة لا تعرفها.
الوعد الواهي: قد تعد شخصا بمساعدته وأنت تعرف أنك لن تفي به، لكنك قطعته على نفسك لأنك شعرت بالذنب أو بالحرج.
المجاملة: تعد المجاملة كذبًا إذا افتقرت إلى الحقيقة، ويمكنك التفرقة بين المجاملة الحميدة والكذب بسؤال نفسك: هل ذلك رأيك حقًا؟ لماذا تبالغ؟ هل كذبك ضروري؟
هل يمكن إدمان الكذب الأبيض؟
نشرت مجلة "الشخصية وعلم النفس الاجتماعي" نتائج دراسة سابقة، توصل فيها الباحثون إلى أن من بين 77 طالبًا جامعيًا أبلغوا عن كذبهم مرتين يوميًا، قال 70 طالبًا منهم إن أكاذيبهم تتمحور حول ذاتهم، لذلك لا يعدون أكاذيبهم خطيرة.
ويمكن أن يؤدي الكذب بمهارة إلى السقوط على منحدر زلق، حين يؤدي النجاح في خداع الآخرين إلى الاعتماد على الكذب كإستراتيجية لإخراجك من المواجهات والمناقشات الصعبة. وقد ناقش بروفيسور رونالد إي ريجيو -في مقالة عبر موقع "سيكولوجي توداي"- نتائج دراسة أجراها مع فريق قسم علم النفس جامعة كاليفورنيا. وتوصل فريق البحث إلى استنتاج أن الكذب مهارة اجتماعية متطورة، تبدأ بسيطة حتى تثقلها الخبرة، ويبدو الكاذب أكثر صدقًا.
ما الفرق بين الكذب الأبيض والكذب المرضي؟
عادة ما يرتبط الكذب الأبيض بموقف محدد، ويبدو قصيرًا غير ضار للآخرين، يخلو من أي نية سيئة، يقصد به تجنب جرح الآخرين أو الوقوع في مشكلة، وكل هذا عكس الكذب المرضي الذي يتكرر ويستمر دون مبرر، ويتعمد فيه الشخص أن يظهر في دور الضحية أو البطل، ولا يشعر صاحبه بالذنب أو الرغبة في التوقف عن هذا السلوك.
كيف نتوقف عن الكذب؟
- حدد دوافعك: إذا لاحظت كذبك فاسأل نفسك عما إذا كنت كذبت لتجنب المواجهة، أم لإرضاء الآخرين، أم لتحسين صورتهم الذهنية عنك. سيساعدك معرفة أسبابك على علاجها، سواء كانت خجلا، أم شعورًا بالذنب، أم ضعف ثقة بالنفس.
- كن حازما: إذا طلب منك شخص أن تساعده، ولنفترض أنك مللت مساعدة ذلك الشخص، فأمامك 3 طرائق للرد عليه، إما بوعده أنك ستساعده ثم تختفي وتفقد نزاهتك، أو تهاجمه وتوبخه على اتكاله على الآخرين، وحينئذ ستكون عدوانيا، أو تعتذر له عن عدم مساعدته تلك المرة، وهنا ستكون حازما.
- قاوم مشاعر الذنب: إذا سألك شخص عن رأيك فلا تكذب ولا تهاجم، بل أظهر تقديرك للجهد المبذول، أو النية، ثم قل رأيك دون تجريح.
- ثق بنفسك: إذا كنت على وشك سرد أكاذيب واهية عن نفسك، فيوصيك تقرير على موقع "هيلث لاين" باتباع الحديث الإيجابي مع نفسك، مثل "لقد حققت هذا/ نجحت في ذلك/ كنت جيدًا في فعل ذلك".
- تحدى نفسك: تعهد أمام الله بالصدق التام لفترة محددة، ويتضمن ذلك التدريب اكتشاف طرائق ألطف لقول الحقيقة، مثل الاعتذار عن خطئك، أو قول رأيك بدبلوماسية غير مؤذية وغير مجاملة.
- اعتذر: إذا لاحظت أنك تكذب عند سرد قصة، فاعتذر عن مبالغتك أو نسيانك بعض النقاط، أو اسرد الحقائق الغائبة فور إدراكك لإغفالها، وسيضفي الاعتذار ثقة ونزاهة على شخصيتك في أعين الناس.
اضافةتعليق
التعليقات