قد يعتقد البعض أن الحديث عن الشيخوخة هو موضوع ثانوي أو ترف فكري، بل هو موضوع يجب أن يكون من أولوياتنا فالكثير من كبار السن في عقولهم مخزون وكم كبير من المعلومات التي تعود بالنفع والفائدة على المجتمع، ولديهم القدرة على تقديم الكثير من الخبرات، فصفحات التاريخ تزخر بكبار المفكرين الذين تناولوا هذا الموضوع وأولوه اهتماماً وبقي كإرث أو مرجع يعود إليه الباحث عن أجوبة في بحر من أسئلة لا تنتهي.
وفي عصر السرعة زاد الخوف من الشيخوخة، من هذه المرحلة التي يتمنى كثيرون ألا يصلوا إليها، فالوعي المجتمعي قد ملأها بأفكار ومشاعر معظمها سلبية.
ولا أعرف لما ارتبط مفهوم الشيخوخة بالموت فالكثير- الكثير من العلماء والمفكرين عاشوا حياتهم غير مبالين بأرقام أعمارهم . بل نجزم أن الأفكار السلبية التي ينشغل بها الإنسان تؤثر بنسبة كبيرة في صحته النفسية، بل تعد أحياناً العامل الأساسي والوحيد لأي مرض أو وهن أو ضعف يصيب الإنسان، ما يؤدي إلى ظهور علامات الشيخوخة المبكرة عليه، وهذا ما أكدته الدراسات الحديثة التي خلصت إلى أن معظم المشكلات الصحية الناجمة عن التوتر تجعل الإنسان يشيخ قبل الأوان.
وبشهادة بعض المختصين قد ارتفعت نسبة المصابين بفوبيا الشيخوخة بعد انتشار وباء كورونا عام 2020، والذي نشر في العالم فكرة مفادها بأن المسنين فئة منبوذة وعالة على المجتمع.
فقبل 100 عام كان من النادر الموت في سن التقاعد، وكان معظم المتقاعدين يشاركون مشاركة إيجابية في الحياة حتى أيامهم الأخيرة. وكانت تقدم لهم مجموعة واسعة من الأعمال البسيطة التي هي أقل إجهاداً من غيرها، وأكثر ملاءمة لحالتهم العضوية. فإلى جانب نشاطاتهم العملية، كان المسنون يضطلعون باندماجهم الاجتماعي من خلال مجموعة من الأدوار أو الخدمات.
قال دايل كارنيجي: كثيرون يؤمنون بأن سن الخامسة والستين بداية مرحلة الخمول واعتزال العمل.. وقد رسخت هذه العقيدة في النفوس حتى أصبح معظم الذين تجاوزوا هذه السن يعتقدون أنهم لم يعودوا يصلحون لشيء، وأن الحياة قد لفظتهم. وقد طفت لسنوات خلت في معظم أوروبا، فزرت طائفة من الشيوخ الذين جاوزوا السبعين فوجدتهم يفيضون نشاطاً وحيوية.. وضرب مثال: في انكلترا، عالم يدعى "فيكونت صامويل" كان يصدر كل عام كتاباً يتناول موضوعاً جديداً. وقد قال في حديث له عن مؤلفاته: "أنني ألاحظ أني كلما تقدمت في السن انقادت لي الأفكار، وأسلس لي قيادتها".
ويبدو أنه ليس ثمة قاعدة معينة للحياة الطويلة، فبعض من رأيتهم من المعمرين النشيطين لم يمرضوا يوما مرضاً خطيراً، وبعضهم ظلوا مرضى يستمتعون طوال حياتهم، وبعضهم أغنياء وبعضهم فقراء، ولكنهم جميعاً يستمتعون بالحياة أكثر مما يستمتع بها الرجل العادي، ويتوقون إلى الأخذ بالأساليب الجديدة، والآراء الحديثة، ويعملون على زيادة معلوماتهم وتوسيع آفاق تفكيرهم باستمرار، وشكواهم الوحيدة المشتركة سرعة نسيان الأسماء.
ومثال آخر الروائي الياباني "هاروكي موراكامي" يصدر لنا رواية جديدة وهو مواليد 1949. فمن أخطر آفات الشيخوخة هو الخوف الذي يتخذ صوراً عدة أكثرها شيوعاً خوف المرض. ولعل مبعث ذلك اعتقاد كثير من المسنين خطأ بأن أمراضهم لا شفاء منها. نعم أن الزمن يظهر الأمراض المزمنة التي أصابتنا في مرحلتي الشباب والرجولة.. ولكن الشيخ لا يبقى له ما يبرر خوفه إذا رعاه طبيب ماهر مطلع على أحدث ما اكتشف في أمراض الشيخوخة وطرق علاجها، وله تجارب في ذلك الميدان.
كما أن بعض المسنين تنتابهم حالات خوف من الفقر وهو خوف لا ينتاب الفقراء وأوساط الناس وحدهم، بل يشمل معهم الأغنياء الذين يتشبثون بعادة التقتير التي مارسوها أيام شبابهم فيظنون على أنفسهم بضرورات الحياة ويحيلون شيخوختهم إلى أيام قاحلة بائسة، ويضنون على معاونيهم وعارفيهم.. فينفرون منهم حتى توحش الحياة في أعينهم و نفوسهم. ونحن لا ندعو إلى التبذير، ولكننا نحس أن أولئك الذين اقتصدوا المال في أيام شبابهم للسنوات العجاف في شيخوختهم، ينبغي ألا يجزعوا من إنفاقها .
أما الخوف الذي يعسر على الطبيب أو الواعظ أو الفيلسوف علاجه فهو الخوف من الشيخوخة ذاتها رغم أن الكثير من الأعمال النافعة في هذه الدنيا يقوم بها رجال ونساء أوغلوا في العمر ونحن نرى كثيرين حولنا جاوزوا السبعين بل والثمانين يعيشون أصحاء سعداء راضين. والخوف من الشيخوخة خوف مركب يتضمن الخوف من العجز البدني أو الاضطراب الذهني أو الإحساس بالوحدة ولكن هذه المخاوف يمكن التغلب عليها بقوة الخلق والإيمان. فالله هو القادر على الشفاء أو تحديد أجل الإنسان.
والخوف من الشيخوخة مرتبط كذلك بخوف الإنسان من مواجهة الموت، فكثيرا من كبار السن يكون هاجس التفكير بالموت هو شغلهم الشاغل دون محاولة تغيير نمط حياتهم وايجاد بدائل خاصة فئة المتقاعدين، نجد الكثير منهم محبطين ومصابين بالأمراض، بينما هناك عدد من نفس الأعمار يجدون لهم فرص عمل بسيطة تناسب سنهم، بل منهم من يستغل تفرغه لممارسة الكتابة وأمور أخرى كثيرة.
لذا ينبغي على كبار السن أن يضع خطة زمنية صحية لإستغلال الوقت يومياً وتقسيم نهاره بما يناسب صحته وميزانيته في الإنفاق،على سبيل المثال يضع وقت للراحة والاستجمام، وقت للرياضة، ووقت للقراءة.
ومن ثمَّ، لابد أن يضع برنامجاً لانفاق ما ادخره من رصيد، وليحرص دائماً أن يعيش في الحاضر غير قانط من المستقبل.
وأقل ما يقاوم به السأم والقلق والخوف الذي يسبب الكثير من أمراض الشيخوخة، أن يعرف المرء كيف يصرف الأوقات التي يختلي فيها بنفسه وأن لا يحمل نفسه فوق طاقتها، وكذلك المرأة التي تنهمك في تربية الأولاد وإدارة البيت وتخفق في اختزان كنوز عقلية ونفسية.
والشيخ الذي يجمع حوله أصدقاء من سنه، يقاوم السأم والإحساس بالوحدة بعض الشيء، ولكن الشيخ الذي يعرف كيف يخلق من كتبه وأفكاره أصدقاء له، هو الذي لا يحس بالوحدة في أي مكان وفي أي سن.
اضافةتعليق
التعليقات