قوافل تأتي وأخرى تؤوب.. ويبقى الطف منارة لا يعتريها غروب. جاء مشهد الأربعينية، راسما لوحة عشق بألوان الطيف، صور متعددة ووجوه مختلفة ورايات مرفوعة وأيادي ممدودة عاليا، تلقي التحية والسلام على الغريب المذبوح من القفا.
هل ما زال الغريب غريبا؟! سؤال ترجمت جوابه تلك الحشود المليونية، عندما قدِمَتْ لتبايعه، وتلبّي دعوته بالنصرة: (لبيك داعي الله، إن كان لم يجبك بدني عند استغاثتك ولساني عند استنصارك، فقد أجابك قلبي وسمعي وبصري).
إنها البيعة في أعظم تجلياتها، ساحة حشر تشكلت بعنفوان العشق الحسيني، فألهبت حناجرهم بهيهات منا الذلّة. لم يعد الغريب غريبا، وفي فردوس مثواه الأرضي، يفد الوافدون وفدا إثر وفد آخر، وقوافل تترا وأمواجا تتبع أمواجا.
واهمون يوم حبسوا النصرة عن الحسين؛ ظنوا أنهّم نجحوا، لكنهم لم يدركوا فداحة حماقتهم، فالملايين جاءت تلبّي لتزلزل الأرض تحت أقدام الطغاة. لبيك ياحسين.. تشهدها جنبات كربلاء صهيلا مدويّا حتى قيام الساعة.. وعد غير مكذوب.
هنا في كربلاء مربط الثورة وفرسانها.. فهلمّوا وتزوّدوا.. الملايين تتجه صوب منبع الحياة الأزلي.. إنها ظمأى لذلك السلسبيل العذب، فالكون مع الحسين حياة، ومع غيره محض هراء.
وأسأل أحد الزائرين: هل تصالحتَ أخيرا مع أخيك؟ فيجيبني ودموعه تنهمر من مآقيه: وهل يحلّ لي المكوث بين الروضتين وأنا في خصام؟ لله درّكم أيّها العاشقون.. وأنتم تتدفقون كالسيول نحو ضريح المولى، هل تساءلتم في أنفسكم أي نعيم قد حللتم في باحته؟ وأيّ جنّة سامقة قد رُزقتم إتيانها؟ وأيّ رحم قد وصلتم بزيارتكم لسبط المصطفى؟
فهنيئا لكم أيّها العاشقون الوالهون، وأنتم تتوجهون بقلوبكم قبل أبدانكم نحو قبلة الأحرار.. وهنيئا لمن تغلغل عشق الحسين في حنايا أضلعه.. فأضحى حسينيّ الهوى لا يزايده آخر في عشقه وهيامه.
الملايين التي جاءت لتعزي وتقدم فروض الطاعة والولاء، لن تعود إلى ديارها بخفيّ حنين، لأنّ الحسين يملأها ثورةً وعزّةً وإصراراً.. فلا تقف _يا أخي _ ساهما، وارمِ ببصرك نحو عالم الملكوت، ولتجيل النظر لترى ماذا كُتب..
على ساق العرش؟
سفينة؟ إذاً ماذا تنتظر؟!
فلنركبها معا بسم الله مجراها ومرساها.
اضافةتعليق
التعليقات