في هذا القرن، القرن الواحد والعشرون غزت الماركات والعلامات التجارية حياتنا بأكملها سواء مما يُلبس من الثياب والأحذية حتى الجوارب لم تسلم من السطوة فإن لم تلبس من البراند الفلاني فأنت شخص قديم تقليدي، مع شديد الأسف اختلفت المقاييس فأصبحت بهذه السطحية المزعجة، ما نحملهُ من الحقائب والهواتف النقالة كذلك أما مستحضرات التجميل وطلاء الأظافر والعطورات فهي تخضع لهذه المقاييس بكل بساطة وصراحة.
ازدادت هذه القضية بشكل هستيري في العقد الأخير، فأصبح مبالغاً فيها حتى باتت متوارثة بين الأجيال فينجذب الأطفال لمن يرتدي ملابس أنيقة أما المراهقون في المتوسطة والاعدادية فالحال معهم أسوأ بل يُرثى لهُ خاصةً أبناء بعض الأغنياء بل أبناء العوائل الماركة يتشكلون على هيئة مجاميع لينبذون وينتقصون ممن أقل منهم حالاً ومالاً وإن كان أعلى شأناً وأفضل منهم دراسياً لأن العلامات الدراسية لم تعد مقياساً بل يكون المتفوق في دراستهُ عند البعض أحمقاً فأبناء الماركة لا يدرسون بل يعتمدون على واسطة آبائهم ومحسوبيات ماركة العائلة ونادراً ما يفشل الأمر معهم، لأن عبارة أنا ابن فلان أو من طرف فلان الفلاني تعادل عشر سنوات من الخبرة وشهادة دكتوره مع مرتبة الشرف، مع شديد الأسف صارت هذه القضية شيئاً عادياً روتينياً في كل دوائر الدولة ومؤسساتها من الألف إلى الياء سواء الدراسية، الوظيفية أو غيرها.
لم تقتصر الماركة على ما نلبسهُ، نحملهُ أو نضعهُ بل مدت أذرعها حتى على ما نأكل ونشرب لذا بدلاً من شراء كوب شاي أو قهوة بألف دينار من أي مكان عام اتجه الناس والفئات الشابة تحديداً من طلبة الجامعات والاعدادية إلى شراء الشاي نفسهُ بكوب آخر ومكان معين بأكثر من خمسة إلى سبعة آلاف دينار فقط من أجل إلتقاط صورة وتحميلها على الحالة اليومية في تطبيق الأنستكرام والفيس وغيرها من مواقع التواصل لاشباع لذة مؤقتة ورغبة ذاتية، وكي يُري المتابعين والفانز من الأقرباء، الأصدقاء، وزملاء الدراسة بأنه يشرب من مكان ماركة وأنه من الفئة المواكبة للتطور المظهري السائد وهذا كذلك بالنسبة للطعام من نوع البركر إلى ماركة المطعم وصولاً إلى نوعية المشروبات الغازية حتى لدى الأطفال.
وسبب نقدي لهذه الظاهرة السلبية جداً هو موقف استوقفني نقلاً عن طالبة جامعية في إحدى الجامعات الأهلية تأخذ علبة من الفواكه المقطعة والتفاح تحديداً في أولى أيام الجامعة تقول: "كنت أجلس بين زميلاتي، فتحتُ العلبة مبتسمة "تفضلوا" قدمتها لهن كي يشاركنني، نظرن إلي بنظرة غريبة وكأنني ارتكبتُ جُرماً، كررتها "تفضلوا"، أجابت إحداهن: من يأكل فواكه وتفاح بوجود السنيكرز وأنواع الحلويات الأخرى؟
موقف آخر جدير بالذكر، طفلة صغيرة ربما في سنتها السادسة أو السابعة تعشق المشروبات الغازية بشراهة وحين قدمُ إليها علبة مشروبات غازية من النوع المحلي نظرت باستهجان وغضب وعقدت حاجبيها قائلةً "من يشرب هذا؟؟ " ورفضت شربهُ لأنها لا تشرب سوى ماركتي كوكا كولا الحمراء أو ببسي الزرقاء فقط لا غير كما قالت ولا تشرب من أنواع محلية عادية.
توقفت أتأمل الموقف، والحرج الذي أصاب الشخص الذي قدم لها هذا العلبة الغازية المحلية، إلى أي مستوى وصلنا؟! طفلة صغيرة بهذا العمر تبحث عن ماركة لمشروب غازي.
أين نحنُ من هذه السطحية؟ ومستوى التفاهة التي أصبحت تحيطنا من كل الجهات؟! ما الذي أوصلنا لهذا الحد من سطوة الماركات؟
وكيف لك أنت كقارئ محاربة هذه الظاهرة السخيفة؟
وكيف لك ألّا تجعلها تنتقل لأبنائك وتحميهم من هذه العدوى التي ستبقى تكلفك مادياً بأضعاف مضاعفة؟
في كل مرة تختار فيها الذي تحب دون سيطرة واستهجان الآخرين كما اختارت هذه الطالبة التفاح بدلاً عن السنيكرز فأنت قد ربحت جزءاً من الحرية.
اضافةتعليق
التعليقات