يعتقِد الكثير من النّاس أنّ للإنسان عقلان، هما: العقل الواعي، والعقل اللّاواعي أو ما يُسمّى (العقل الباطِن)، وهذا الاعتقاد خاطئ؛ فكلّ شخصٍ يملِك عقلاً واحداً لكنّه يَقوم بِوَظيفتَين مختلفتَين، وللتّمييز بين هاتين الوظيفتَين استُخدمت تسميتان، وهما:
العقل الواعي والعقل الباطن (اللاواعي).
وظيفة العقل الباطِن
يُسمّى العقل الباطِن العقلَ اللّاواعي، وهو العقل المسؤول عن الخواطر والأحلام، وعن مزاج الإنسان، إضافةً إلى أنّه المسؤول عن تحديد السِّمات الحقيقيّة للشّخصيّة،
وهو مُطيع لِلإنسان؛ حيث يستطيع الإنسان توجيهَه باستخدام أسلوب التّكرار، إذاً فالعقل الباطِن هو الذي يتحكّم بعادات الشّخص وسلوكيّاته، وهو أساس تصرُّفاته.
صِفات العقل الباطن
1- يُنظّم الذّكريات، ويُخزّنها جميعها.
2- يُحرّك عواطف المرء ومشاعره.
3- يعمل كَمُحرّكٍ للجسم بِأكمله، ويحافظ عليه.
4- يحتاج خطواتٍ واضحةً يتّبعها؛ ليخدم الشّخص.
5- يُعطي طاقةً للشّخص، تكفي للوصول إلى الهدف المَرجُوّ.
6- يصنع العاداتِ؛ فتكرار الشّخص العبارة من 6-21 مرّةً يجعلها عادةً له.
7- يعمل على أساس أنّ هناك أشياء كثيرةً يُمكِن للشّخص أن يكتشفها ويتعلّمها.
8- يعمل على مدار 24 ساعةً، ويُتابع أيّ معلومة تأتي من العقل الواعي.
9- يعرف ما يُمكِن أن ينجح وما لا يُمكِن نجاحه بشكل عفويٍّ؛ بسبب تخزينه الذّكرياتِ والمواقفَ.
10- يعمل باستخدام قاعدة الأقلّ جهداً؛ فعلى الشّخص ألّا يُجبِر عقله على الإبداع، بل يُحاول أنْ يبقى هادِئاً ومسترخِياً.
11- يزيد نشاطُه بزيادة استخدامه.
12- يحُلّ العَقَبات التي تواجِه الشّخص بشكل آليّ، وذلك بإعطاء الحلّ الأمثل؛ لتحقيق الأهداف.
13- يمدُّ الشّخص بالصّبر اللازم للتعلُّم، وبُلوغ الهدف.
14- يجعل السّلوكيّات تتناسب مع الأهداف؛ شرط أن تكون الأهداف واضحةً.
خصائص العقل الباطن
يمتلك العقل الباطن العديد من الخصائص والسمات المميزة له، ووفقاً لسيغموند فرويد فإنّ العقل الباطن ليس مجرّد فوضى غير عقلانيّة أو غير منطقيّة، وفيما يأتي بعض الخصائص التي حدّدها فرويد للعقل الباطن:
١- اتسام العقل الباطن بمستوى عالٍ من التنظيم، فهو نظام مُعقدّ يعمل وِفقاً لقوانين معينة.
٢- تعايش الأفكار المتناقضة داخل العقل الباطن جنباً إلى جنب.
٣- عدم امتلاك محتويات العقل الباطن من مشاعر وأفكار أيّة درجة من درجات اليقين التي تعمل بها الأفكار الواعية.
٤- تواجد الأفكار في العقل الباطن دون أيّ ترتيب زمني.
كيفيّة عمل العقل الباطِن
أثبتت الدّراسات أنّ العقل الباطِن للإنسان يَعمل على مدار اليوم كاملاً حتّى أثناء فترة النّوم، وهو يُؤثّر على وصول الشّخص إلى غاياته وأهدافه، وذلك بناءً على طريقة تفكيره؛ سواءً أكانت إيجابيّةً أم سلبيّة.
إنّ آليّة عمل العقل الباطِن للإنسان تُشبِه إلى حدٍّ ما آليّة عمل برامج الكُمبيوتر، وإذا أراد الشّخص أن يُعطيَه البرنامج مُخرَجاتٍ مُعيّنةً فيجب أن يضبط المُبرمِج البرنامَج ضبطاً صحيحاً حتّى يَحصُل على النّتائج المَرجُوّة..
وبقياس ذلك على العقل الباطِن فإنّ المُبرمِج هو العقل الواعي، ومُدخِلات الإنسان هي الحواسّ الخمس، أمّا المُخرِجات فتتمثّل في سلوك الإنسان ونظراته وتصرُّفاته..
ويُعطي العقل الواعي الأوامر للعقل الباطِن، ولو وُجِد خلل في تصرُّفات الإنسان مع مَن حوله، أو لوحِظت أمور أخرى عليه، مثل:
القلق، والتوتّر، أو العصبيّة الزائدة، فيجب على العقل الواعي أن يُغيّر التفكير والاعتقادات التي سبّبت مثل هذه التصرُّفات.
ما يؤثر على العقل الباطِن سلباً:
يُخفي الإنسان منذ طفولته الأفكار والمشاعر التي يَصعُب عليه التّصريح بها لِمَن حوله، وهذا ما يُسمّى الكَبت، وهو عبارة عن مجموعة من القُوى التي تمنع المشاعر المكبوتة من الوصول إلى العقل الواعي، فتجمعها وتُخزّنها في العقل الباطِن، وقد تكون هذه المشاعر المكبوتة عدوانيّةً، أو مشاعر كراهيةٍ تجاه أشخاص مُعيَّنين، أو مشاعر خجلٍ أو خوفٍ، وقد تكون دوافع جنسيّةً، قد يُؤدّي كبتها إلى توليد مشاكل يصعُب علاجها مُستقبلاً، مثل: الاكتئاب، أو القلق والتوتّر الزّائدَين، ومن المُمكن أنْ يُصبِح الشّخص صعب التكيُّف مع بيئته المُحيطة، وكلّ ذلك يؤثّر سلباً على شخصيّة الإنسان.
كيف تتم برمجة العقل الباطن
١- من خلال العقل الواعي يسير العقل الباطن تبعاً لأوامر العقل الواعي، ولا يُفكّر بشكل مُستقل..
الأمر الذي يدعو إلى تسخير قوة التفكير الإيجابي في بناء عمليّة التفكير بأكملها من خلال العقل الواعي الذي يقوم بإعطائه الأوامر التي يريدها..
ويعمل العقل الباطن ليلاً ونهاراً لجعل سلوك الفرد يُلائم متطلبات هذه الأوامر من أفكار، وآمال، ورغبات.
وإمّا أن يتحكّم الشخص نفسه بإرسال رسائل إيجابيّة للعقل الباطن ليستقبلها ويحوّلها إلى واقع إيجابي من خلال التحكّم في سلوكيات الفرد.. أو أموراً سلبيةً تنعكس بدورها أيضاً على سلوكيّاته..
٢- التأمل والاسترخاء : يُنصح دائماً بالتأمّل والاسترخاء للتعامل مع العقل الباطن، ويكون ذلك من خلال الجلوس في مكان هادئ، وآمن، ومُريح، حيث تُعتبر غرفة النوم الخيار الأمثل عند أغلب الناس، ولا يهمّ المكان بحد ذاته طالما أنّ الشخص مرتاح، وغير منزعج، وينبغي إطفاء الأضواء، وإغماض العينين، وأن يُعطي الشخص لنفسه دقيقة تأمّل ذهنيّة كيّ يُحدّد ما يُريد من عقله الباطن، ومن قوّة اللاوعي الخاصّة به، ثمّ يقول ما يُريد بصريح العبارة دون تعقيد، وإطالة، بل بصيغة بسيطة، ومباشرة، وصريحة، مثلاً:
"أنا أكمل هذا المشروع بكفاءة وسرعة"، مع ضرورة الاحتفاظ باليقين والقناعة التامّة بأنّ هذا الأمر قد حصل بالفعل، وليس مُجرّد قول..
٣- التصور والتخيل: يتخيّل الفرد في هذه المرحلة طلبه وكأنّه قد حدث فعلاً على أرض الواقع، فمثلاً إن كان يرغب في إكمال مشروع مُهمّ يتعلّق بالعمل فينبغي عليه أن يبتسم ويشعر بالحماس بداخله، ثمّ يتخيّل أنّ المشروع قد تمّ بكلّ سهولة، ويتصوّر الحالة بأكملها بكلّ واقعيّة، ووضوح، وتفصيل، فيتخيّل مثلاً كيف يتفاعل بشغف مع زملائه، ومدى سعادتهم في العمل معه، ويجب أن يستغرق هذا التصوّر، والتمثيل البصري حوالي دقيقتين للإحساس بالنتيجة يجب قضاء الدقيقتين الأخيرتين بتخيّل المشاعر الإيجابية التي تظهر بعد تحقيق الهدف المرغوب، والسعادة المُطلقة، والشعور بالإنجاز والفخر في تلك اللحظة، عدا عن تصوّر نظرة الإعجاب في عيون الجميع للشخص، ثمّ الإحساس بتلك المشاعر كما لو أنّها تحدث فعلاً، وبعد إتمام الدقيقتين يكون الشخص قد أنهى تمرين عقله الباطن وقام ببرمجة اللاوعي الخاص به على تحقيق الهدف، وينبغي عليه بعدها الذهاب إلى النوم، حيث إن نشاط اللاوعي يزيد في الفترات التي يكون فيها الشخص نائماً.
دور العقل الباطن :
يعتقد البعض أنّ قوّة العقل الباطن محض خيال، وهذا غير صحيح فهو حقيقي، ومبدأ عمله يشبه إلى حد كبير جهاز كمبيوتر ضخم يسهم في التخطيط للتجارب الحياتية، فالإنسان يُبرمج اللاوعي الخاص به من خلال العادات، والمعتقدات، والأفكار، حيث إنّ الأفكار المتكرّرة تتحوّل إلى عادات، وسلوكيّات، وبالتالي فإنّ دور العقل الباطن هو الاستجابة لأفكار الإنسان وتحويلها إلى سلوكيات وحقائق على أرض الواقع.
اضافةتعليق
التعليقات