طُرحت الكثير من المُلهيات خلال السنوات الماضية مُدعية قدرتها على إشباع الجانب الروحي في النفس البشرية، حيث اعتقد البعض أن اللذات النفسية هي مُنتهى حاجة الروح، فإزداد عدد أماكن الترفيه والإختلاط في أنحاء العالم، فأصبح الإزدحام في الشوارع، أماكن التسوق، الكافيات أمر مُعتاد عليه، تتصارع الدول على زيادة إنتاجاتها وقدراتها الصناعية ظناً منها أن ذلك يعني أنها قوية بالقدر الكافي لمواجهة أي طارئ.
رجال الأعمال يعملون بشراهة لزيادة اموالهم، انتاجهم، نفوذهم في كُل مكان، مواقع التواصل تتزاحم بمنشورات التباهي بالمُمتلكات، أصوات الغناء تعتلي في كُل مكان (بحجة انها مُتنفس للهموم وتغيير للمزاج)، هُمشت دور العبادة، الشباب يتخبطون باللاهدفية، يُقلدون كُل من هب ودب بلا وعي ولا تفكير فقط بحثاً عن شيء يُشبع حاجاتهم الروحية حسب زعمهم.
هكذا ساد الأعتقاد بأن الدُنيا ومُغرياتها كافية لإسعاد الروح البشرية.
حتى جاء ذلك الكائن المجهري ليقف أمام كُل تلك القوى العظمى ليقول لهم أنا قادر على هزيمتكم، فسرعان ما استسلموا لفتكه فتوقفت المصانع، غُلقت الأماكن العامة، مُنع الأختلاط، تحولت المنشورات إلى منصات للتعريف به وذكر طرق الوقاية منه، فُرض الحجر المنزلي على السكان في أغلب الدول.
لم يعد الخوف من الفايروس وحده هو المقلق عالمياً، فقد شاطره التفكير في الهلع الذي أصاب بعض النفوس البشرية، الهسترية التي انتابت البعض، اليأس الذي سيطر على الأرواح هو الأمر الذي يُخشى أن يستمر حتى بعد انتهاء أزمة الفايروس وعودة الحياة إلى طبيعتها.
وهنا يتبادر إلى الذهن سؤال: أين اختفت تلك اللذة التي كانت تُلبي الحاجات الروحية؟
في الواقع لم تختفي، لكنها لم تكن تُجدي نفعاً مُنذ البداية، حيث تُعرف الحاجات الروحية: بأنها الصلة الداخلية للمؤمن باللّه تعالى وانشداده النفسي والعاطفي به تعالى من حيث الإيمان والحب والإخلاص، وما يرافق هذه المعاني الثلاثة الرئيسية من خوف، ورجاء، وتواضع.
فملاحظة تسرب القلق والتخبط بسبب الفيروس لقلوب الكثير حول العالم، دليل على أن كُل تلك المُغريات كانت تتقمص رداء القدرة على تلبية المتطلبات الروحية والسكينة القلبية للنفوس.
وما هذه الفترة إلا فرصة ثمينة للباحث عن الحقيقة ليُمعن قليلاً في إطمئنان تلكَ القلوب المؤمنة المُتصلة بالسماء دائماً ليتعلم منهم السبيل الوحيد لغذاء الروح المتمثل أولاً بالقرآن الكريم وتأثيره الفريد على سكينة القلب وتساميه في عالم الفضيلة، تاليه ذاك الكنز الذي تركه سادات الوجود في صيغات أدبية تُناسب الأرواح بكُل تقلباتها وظروفها عبر مناجاتهم وأدعيتهم المتنوعة.
فأي الملذات يُمكن أن تُنافس ما ورد عن أمير المؤمنين من ذوبان في الذات الإلهية في المناجاة الشعبانة: (إلهِي كَيْفَ آيَسُ مِنْ حُسْنِ نَظَرِكَ لِي بَعْدَ مَماتِي، وَأَنْتَ لَمْ تُوَلِّنِي الَّا الْجَمِيلَ فِي حَياتِي).
ولأي مُغريات الدُنيا يميل القلب الذي يُردد: (إلهِي هَبْ لِي قَلْباً يُدْنِيهِ مِنْكَ شَوْقُهُ، ولِساناً يَرْفَعُهُ الَيْكَ صِدْقُهُ، وَنَظَراً يُقَرِّبُهُ مِنْكَ حَقُّهُ).
فالمغبون واقعاً من لم يستغل هذه الفرصة لتغذية روحه بالتغذية السليمة التي ترتقي به في مدارج الكمال.
اضافةتعليق
التعليقات