قال أمير المؤمنين (عليه السلام): "تَكَلَّمُوا تُعْرَفُوا فَإِنَّ اَلْمَرْءَ مَخْبُوءٌ تَحْتَ لِسَانِهِ"(١).
في هذه الحكمة البليغة من أمير البلاغة رسالة وتنبيه لكون اللسان من الممكن أن يكشف للإنسان عن سريرته وعن صدق نيته ومقصده وحقيقة باطنه من أي عمل يعمله.
فلابد للإنسان مهما كانت إدعاءاته في ما يجتهد ويعمل ويسعى بأن المقصد هو الله تعالى ونفع العباد مثلاً -كونه المقصد الأعلى والأكمل- لابد أن يكشف له يوماً ما بفلتة من فلتات لسانه عن حقيقة نيته هل المنطلق هو (الله تعالى) أم (الأنا)؟ هل نفع العباد وخدمة العباد أم لأجل منفعة شخصية؟ أو لأجل وجاهة اجتماعية يريد بلوغها؟.
قد يكون هذا الانكشاف مؤذياً لصاحبه -إن كان من أهل المراقبة والتدقيق-، ولكن الأمر فيه تمام المنفعة لكونه باب نجاة له في تصحيح مساره ونيته طالما هذه الحقيقة انكشفت له في هذه الحياة، قبل الانتقال إلى عالم الجزاء الذي لا يُمكن له أن يصحح به نياته، وحيث لا ينفع الندم فتكون أعماله هباءً منثورا.
وهذا يتطلب أن يراقب الانسان فلتات لسانه ويتربص زلاته قبل أن يتربص ويلتفت الاخرين لها، فالالتفات لما يصدر منه من كلام من شأنه أن يُكسبه أولاً مراقبة النية التي يتبعها صدور أي عمل، وثانياً عصمة من الزلل سواء بالقول أو بالعمل في حياته.
مع الاستعانة والطلب من الله تعالى أن يعينه على ذلك كما يعلمنا امامنا زين العابدين (عليه السلام) في دعاء مكارم الاخلاق بقوله: "أللَّهُمَّ وَفِّرْ بِلُطْفِكَ نِيَّتِي،" والتوفير -في اللغة- تأتي بمعاني منها الصيانة والحفظ، وكذلك الكمال لكي لا يشوبها شيء من النقص أو السلامة.
كذلك أن يطلب من الله تعالى أن يكون ما ينطقه اللسان هو الكلام الطيب والذكر الحسن كما نقرأ في دعاء كميل: "وَاجْعَلْ لِساني بِذِكْرِكَ لَهِجَاً".
فالمصداق العملي للذكر غير التسبيح والدعاء باللسان أن يكون منطق الانسان ومنطلقه مما يقول هو من باعث الهي لا شخصي، أن يقول لأجل الله تعالى وما فيه قربة إلى الله تعالى، فهذا ذكر لله تعالى.
وبالتالي موجب لتهذيب الباطن وتصحيح الأفعال وأيضا من موجبات الستر عن انكشاف البواعث التي قد لا تكون لله بشكل كامل، فتصحح وهي مستورة بفضل الله وكرمه، فالذكر هو بمثابة النور الذي كلما تغلل وتعمق في الباطن أزال كل ظلمة وكل نية ليست طيبة.
--------
اضافةتعليق
التعليقات