لا قيمة لرغبة تغافلت عنها النفس إلا التي تكن في وقتها ، فالوقت يضفيها قوة ويهديها ثوبا لائقا .. وأن الأكف التي تنازع من أجل وشاح الإجابة، لهي أكبر وأجدر من غيرها عند احتدام الضعف أبواب المواقف …
فلكي نكون من الشاكرين ، لابد إذن من العطاء ، فاقتناء الجوائز تحتاج منا جميعا أن تسجد صوامعنا و مقاماتنا ذلا لله وحده ، فالاحسان علقة استجداء ، وثرائها كرداء يوسف ثروة لاتقدر بثمن ، أحسن يحسن الله اليك .
(الْحَمْدُ للهِ الَّذِي هَدَانَا لِحَمْدِهِ، وَجَعَلَنَا مِنْ أَهْلِهِ، لِنَكُونَ لاحْسَانِهِ مِنَ الشَّاكِرِينَ، وَلِيَجْزِيَنَا عَلَى ذلِكَ جَزَآءَ الْمُحْسِنِينَ)1.
فعاصفة الذنب ، بأمس الحاجة لأنة البكاء و همسة الدعاء ، لتذوب اغلالها عند عتبة الطلب، فالكرامة هبة تتقد جباه الخائفين وتختصهم بمحاباته. واكتساب الطراوة في النفس غيث لا يحظو به إلا من نذر مساجده للشهادة ، وطوى الوسادة وتوجه لشهر العبادة ، رمضان ربيع العقيدة والعيادة.
(اللهم إنِّي أَسْأَلُكَ بِحَقِّ هَذَا الشَّهْرِ، وَبِحَقِّ مَنْ تَعَبَّدَ لَكَ فِيهِ مِنِ ابْتِدَائِهِ إلَى وَقْتِ فَنَائِهِ مِنْ مَلَك قَرَّبْتَهُ أَوْ نَبِيٍّ أَرْسَلْتَهُ أَوْ عَبْد صَالِح اخْتَصَصْتَهُ أَنْ تُصَلِّيَ عَلَى مُحَمَّد وَآلِهِ، وَأَهِّلْنَا فِيهِ لِمَا وَعَدْتَ أَوْلِياءَكَ مِنْ كَرَامَتِكَ، وَأَوْجِبْ لَنَا فِيهِ مَا أَوْجَبْتَ لاِهْلِ الْمُبَالَغَةِ فِي طَاعَتِكَ، وَاجْعَلْنَا فِي نَظْمِ مَنِ اسْتَحَقَّ الرَّفِيْعَ الاعْلَى بِرَحْمَتِكَ.) ٢
إن ما يجب على المؤمن في شهر القوة والدعوة إلى العبادة، ليس الصيام بمعناه اللغوي فقط، بل الانسلاخ الجذري من كل موبقة تغافلت عنها الجوارح، وآثرت على اتيانها في ساحة المجاهرة واستبدالها عنوان آخر ونموا جديدا لمكامن الفكر وخليج كل فقرة في الحياة .
لأن البدء في إتقان التصرف وغض الطرف عن كل فسق ، وإنقاذ أفعالنا و ذواتنا من السهو الغاضب المميت، هو الذي يمنحنا قفزة غير ممزوجة ولا معرضة للتلف .في شهر رمضان، النفس بحاجة إلى فلترة متقدة تتميز بالقوة والبصيرة كي لا تعمى القلوب التي في الصدور .
(أللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّد وَآلِهِ وَامْحَقْ ذُنُوبَنَا مَعَ امِّحاقِ هِلاَلِهِ وَاسْلَخْ عَنَّا تَبِعَاتِنَا مَعَ انْسِلاَخِ أَيَّامِهِ حَتَّى يَنْقَضِي عَنَّا وَقَدْ صَفَّيْتَنَا فِيهِ مِنَ الْخَطِيئاتِ، وَأَخْلَصْتَنَا فِيهِ مِنَ السَّيِّئاتِ.)٣
فأن النداء قد بادر في إقالة الحواجز، وكشف اللغز المعاكس ، وأن الحول قد بان وشمر عن سواعده ، فلا يقبل بالاستحالة فقط ، كونه مغلف بالثقة والعودة إلى الذات بل خلقا مما يكبر في صدوركم وكأنه أريج مزارع عمتها نسائم استفاقه فأندهشت من ساعتها وأرتقت لتكون الاقوى والافضل والاجمل عمقا وتثبيتا .
فالزيغ أضحى طامورة لا يعرف فيها الليل من النهار وقد تقلدت الجرأة منافذ أبوابه ، وأنت ياربي جلّ ثنائك كفيل بعلاجه وشفاءه ..فكم من محب لك ، لاتكفيه عبادته حتى توشح الدمعة الساكبة لتتقبل منه دعواته…
وحتى يكون الوقت ممهورا بالرضا وتعاقب المعجزات لفاعله ، لابد من الذوبان في إدراك قيمة ما يقدمه المؤمن لأي فقرة تجلو بالهمة لخدمة المبدأ والدين، فأن الغلبة لا يدرك معناها الا باستشعارها عند مواطن الفتح .
(أللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّد وَآلِهِ، وَإنْ مِلْنَا فِيهِ فَعَدِّلْنا، وَإنْ زِغْنَا فِيهِ فَقَوِّمْنَا، وَإنِ اشْتَمَلَ عَلَيْنَا عَدُوُّكَ الشَّيْطَانُ فَاسْتَنْقِذْنَا مِنْهُ.).٤
إن التوفيق في العبادة في شهر رمضان مشحون بالعناية الخاصة من خالق البراية ..
وان أفضل الفصول فيه ، فصل ترويض الطبع والتطبع على طاعة الله ، فكل صلاة أن تقلدها الخشوع ، وعانقت فرائصه مراحل الخضوع وأستشعار الذلة واحتياج الذات الى كمال خالقها هو الذي ينقذ التصور وأستبصار الفهم من غفلة الحظور وتفريط الجوارح في غيها في حضرة الملكوت .
(أللَهُمَّ اشْحَنْهُ بِعِبَادَتِنَا إيَّاكَ، وَزَيِّنْ أَوْقَاتَهُ بِطَاعَتِنَا لَكَ، وَأَعِنَّا فِي نَهَـارِهِ عَلَى صِيَـامِـهِ، وَفِي لَيْلِهِ عَلَى الصَّـلاَةِ وَالتَّضَرُّعِ إلَيْكَ وَالخُشُوعِ لَكَ، وَالذِّلَّةِ بَيْنَ يَدَيْكَ حَتَّى لا يَشْهَدَ نَهَارُهُ عَلَيْنَا بِغَفْلَة، وَلا لَيْلُهُ بِتَفْرِيط).٥
من الأمور التي يقتضي إحكام القبضة فيها ، هو تحديد المسار قولا وعملا .. لأن ما نؤمن به ونعمل من أجله أن يكون في اتجاه واحد ، وهو وحدانية الله سبحانه والسجود لكلمته المشتملة على طاعة كل انبياءه وملائكته ورسله وأوصياءه وآل بيت رسوله ..
لأن الشريعة لم تختزل أفعالهم لوقتهم ولا أقوالهم ليومهم بل عمت ذلك من بدء الخليقة إلى يوم التناد وحتى يكتمل الهدف لذلك لابد من التحالف واتخاذ شعارهم قيمة وهدف في كل تعبداتنا، وصلواتنا وفي كل دعاء تكابد الأفواه على ترتيله ليل نهار ..
كل ذلك يصب في بيت أسسه الله على التقوى .اللهم امحق ذنوبنا ، وأبدلها نورا نستضئ به فجوات الخيال ، ونقص التصورات من الحقيقة ، وأجعل صلواتك على نبيك وآله فرجا لنا يعقبه بشارة لقلوبنا فأن الصلوات على نبيك وآله ، هي عماد المؤمن ونجاته وهي أم القبول لكل عبادة يرجوها في شهر رمضان وغيرها من الشهور.
(أللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّد وَآلِهِ، فِي كُلِّ وَقْت وَكُلِّ أَوَان وَعَلَى كُـلِّ حَال عَـدَدَ مَا صَلَّيْتَ عَلَى مَنْ صَلَّيْتَ عَلَيْهِ، وَأَضْعَافَ ذَلِكَ كُلِّهِ بِالاضْعافِ الَّتِي لا يُحْصِيهَا غَيْرُكَ، إنَّكَ فَعَّالٌ لِمَا تُرِيدُ ).٦
١,٢,٣,٤,٥,٦… دعاء الإمام السجاد (ع) إذا دخل شهر رمضان.
اضافةتعليق
التعليقات