اختلف الانسان عن الملائكة بأن له عاطفة، تجعله يُحب ويتأثر ويتألم، وأصعب ألم يشعر به عندما يفارق من يُحب لذا قيل عن الموت بأنه أكبر المصائب التي تُصيب الانسان ويكرهها لأنه بها يفارق من يحب ويغيب عن عينه فلا يراه ولا يُحدثه فيذوب شوقاً لوصاله وتذبل روحه لمفارقته..
لذا نجد من يفقد عزيزاً على قلبه ويبتعد عنه يعيش عذاباً وآلاماً تقض مضجعه، خصوصاً الأم عندما تفقد ولدها حتى يصل ببعضهن الأمر أن تفقد رشدها ويغيب عنها طعم الحياة فتموت بأحزانها فيقول من يرى ذلك عليها اعذروها مسكينة فقد فقدت ولدها، يعذرون جزعها على ولدها وقد أماته تعالى كما وعد برجوع عباده إليه اجمعين.
وقد يتألم حبيبان لم يجتمعا وفرقتهما الحياة ولربما حُزن أحدهم يؤدي به الى قتل نفسه بينما عليه أن يسلم الأمر لخالقه ويتحلى بالصبر بحياة كُتب بها العذاب إن لم يسر الناس بالهدى..
ولكن هل يلوم المجتمع هذه التصرفات وينكر عليهم هذه الأحزان أم يتعاطف معهم ويتألم لحزنهم..
وعندما يكون الحزن والألم والجزع على فاجعة أبكت السماوات وحزن لأجلها النبيين والمرسلين تتصاعد الاصوات وتجهر بأن ذلك حُزن مبالغ به أو ان السماء لا تريد ذلك وليس العِبرة بالحزن واقامة العزاء بل باتباع النهج القويم، نهج محمد وآل محمد صلوات الرب عليهم الذي أمر تعالى بأتباعهم وضمن معهم الحياة الطيبة..
عجباً فأينكم عن اتباع النهج طول العام وبمرور الأيام والسنوات، أينكم عن ما هتف باسمه الحسين عليه السلام ودعا إليه في جميع تفاصيل حياتكم، هل سِرتُم به وكان أمامكم أم غفلتم عنه، وما إن يُستذكر مصابه وايام الواقعة تتذكرون نهجه واتباعه، تتذكرون القيم والمبادئ وكنتم قد غفلتم عنها..
أم إن تقصيركم بالحزن على مصابه يجعلكم تعترضون على شدة الحزن عليه لتبرروا لأنفسكم
نعم عاشوراء هي مدرسة يتعلم منها الاجيال، هي عِبرة لكل متعظ، فالحسين قائد عالم عارف يتعلم منه الجميع ولا ضير بأن تكون العَبرة مع العِبرة ولا تعارض بينهما.
فالرسول صلى الله عليه وآله وسلم حزِن لمصاب ولده الحسين عليه السلام ومايجري عليه بمجرد معرفته بذلك وقد حزنت عليه كل الخلائق وناحت وندبت، روى الطبراني في المعجم الكبير، وعنه الهيثمي في مجمع الزوائد والمتقي الهندي في كنز العمال:
حدثنا الحسين بن إسحاق التستري عن يحيى بن عبد الحميد الحماني عن سليمان بن بلال عن كثير بن زيد عن عبد المطلب بن عبد الله عن أم سلمة قالت كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جالسا ذات يوم في بيتي فقال لا يدخل علي أحد فانتظرت فدخل الحسين رضي الله عنه فسمعت نشيج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يبكي فاطلعت فإذا حسين في حجره والنبي صلى الله عليه وآله وسلم يمسح جبينه وهو يبكي فقلت والله ما علمت حين دخل فقال إن جبريل عليه السلام كان معنا في البيت فقال تحبه قلت أما من الدنيا فنعم قال إن أمتك ستقتل هذا بأرض يقال لها كربلا فتناول جبريل عليه السلام من تربتها فأراها النبي صلى الله عليه وسلم فلما أحيط بحسين حين قتل قال ما اسم هذه الأرض قالوا كربلاء قال صدق الله ورسوله أرض كرب وبلاء.
.................................................. .....
النشيج : صوت معه توجع وبكاء
مصدر: المعجم الكبير ج 3 ص 108 – 109 و ج23 ص289 ، مجمع الزوائد ج9 ص188، كنز العمال ج13 ص656.
وفي دلائل النبوة للبيهقي:
2810 - أخبرنا أبو الحسين بن الفضل القطان، أخبرنا عبد الله بن جعفر، حدثنا يعقوب بن سفيان، حدثنا مسلم بن إبراهيم، حدثتنا أم شوق العبدية، قالت: حدثتني نضرة الأزدية، قالت: لما قتل الحسين بن علي مطرت السماء دما، فأصبحت وكل شيء ملآن دما وأحاديث كثيرة اخرى تذكر حزن الخلائق على أكبر مصاب وكيف بحزن الزهراء على أبيها عندما فارقها فلم تهدأ ولم ينقطع أنينها حتى لحقته، لأنها لم تفقد أباً فقط إنما فقدت نبيها حبيبها مؤنسها...
وماذا عن حزن يعقوب على ولده يوسف وهو يعلم بأنه حي ولم يجرِ عليه ما جرى على الحسين عليه السلام وعياله بل ما كان على الحسين عليه السلام لا يمكن أن تُحيط به العقول ولا مصيبة كمصيبته وقد كان حزن النبي عن معرفة، حزن لفقد ولي الله، حزن لظلامته، فما نحن وهم،
أنستطيع ادراك عظمة مصاب من حزنت السماء والكون لاجله...
هل من يملك شيء من الاحساس في قلبه لا يتألم لما كان في هذه الفاجعة الاليمة عجباً هل فقدت الانسانية والشعور حتى لا يؤذيني استذكار مقتل طفل رضيع بيد والده لاذنب له سوى انه ابن سادة اطهار يسيرون بالحق ويرفضون الباطل.
ألا اتألم لسبط رسول الله لشخص سيد في قومه معروف بنجابته تُحيط به ثلة من الشرذمة القتلة الفاسدين تمنع عنه وعن عياله الماء لثلاثة ايام ومع ذلك يُدافع عن حرمه وعن الحق بحر الهجير حتى تيبست شفتاه.
ونحن لا نستطيع الصبر عن الماء لساعة ولا نقوى على العمل في شهر رمضان فقط لأنا نترك شرب الماء لساعات محدودة، فماذا عمّن يقاتل في صحراء قاحلة دون أن يشرب ماء لثلاث ايام
ماذا عن نسوة تفقد حماها ويتجرأ عليها الظلمة بسب وقهر وزجر وووو فاجعة يقف عند تخيلها العقل.
فهل خطأ أن يحزن ويتألم عليها انسان فكيف بمُحب لعترة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم الذين اوصى بهم، فلا تلوموا مُحبين فُجعوا بحبيبهم وجزعوا لفقده وما جرى عليه من أذى لم يتحمله غيره وقد قال الرسول الاعظم محمد صلوات الله عليه وعلى آله الكرام: إن لقتل ولدي الحسين حرارة في قلوب المؤمنين لا تبرد ابدا.
فهل أنت من المؤمنين أم ماذا؟!
اضافةتعليق
التعليقات