عندما كنت أتابع مسلسل يوسف الصديق لفت انتباهي أحد المشاهد، عندما كان كهنة معبد آمون يفرغون أكياس الحنطة الفاسدة في نهر النيل؛ تلك الحنطة التي ادّخروها لأيام القحط والسنوات العجاف، وكانوا يتصورون أنهم في أمان، وأن المجاعة لن تمسهم.
لقد ادّخروا الكثير لكنهم فشلوا في الحفاظ عليه، واتلفوه بسوء تصرفهم وجهلهم، وحماقتهم!.
عندها مرّ بخاطري هذا الهاجس: ماذا لو كنا يوم القيامة ككهنة المعبد، نجد ما ادخرناه ليوم الحاجة قد فسد، وأصبحنا صفر اليدين لا نملك شيئا، أو فوجئنا بأن صناديق أعمالنا فارغة، أو مليئة بأعمال فاسدة لا تسمن ولا تغني من جوع؟
عندها سنكون مصداقا واضحا لقوله تعالى: (قُلۡ هَلۡ نُنَبِّئُكُم بِٱلۡأَخۡسَرِینَ أَعۡمَـٰلًا ٱلَّذِینَ ضَلَّ سَعۡیُهُمۡ فِی ٱلۡحَیَوٰةِ ٱلدُّنۡیَا وَهُمۡ یَحۡسَبُونَ أَنَّهُمۡ یُحۡسِنُونَ صُنۡعًا)!
وسوف نتساءل في حيرة ودهشة: أين ذهبت تلك الأعمال؟ أين صلاتنا وعبادتنا وصدقاتنا؟ أين أعمالنا الصالحة التي ادخرناها ليوم فاقتنا وكنا نتّكل عليها للنجاة، ونشعر بالرضى والأمان والاطمئنان؟
للأسف الكثير منا يعمل لكنه يتلف تلك الأعمال ولا يحسن حفظها، يزرع حقوله ثم يبعث نارا فتحرق غرسه، وتحيله رمادا وهباء منثورا!
نمحي بأيدينا ما كُتب في صحفنا من أعمال الخير والبرّ لتُكتب في صحف من ظلمناهم، أو اغتبناهم، وافترينا عليهم بالبهتان والإثم. نفرغ مدّخراتنا في صناديق الغير لينتهي بنا الأمر فقراء حد الإفلاس!.
يداخلنا العُجُب والزهو المقيت، ولا نلتفت لقول الإمام السجاد عليه السلام: ولا تُفسدْ عبادتي بالعُجُب!.
نوايانا القبيحة تتوارى خلف أعمالنا الحسنة الجميلة، ومقاصدنا الباطلة تترصدنا دون أن نلتفت، وقد نكون ملتفتين ولكن تلك الدوافع تتصدر قائمة أولوياتنا، فقلّما تخلو أعمالنا من الدوافع الكاذبة، نحن وإن قلنا إننا نقصد وجه الله بأعمالنا لكن نادرا ما نكون صادقين في هذا الإدّعاء إلا من رحم ربي!
يذكرني هذا بقصة البهلول مع صاحب المسجد، فقد مرّ البهلول يوما على عمال يبنون مسجدا؛ فسألهم لمن هذا المسجد؟ قالوا لفلان، فقصد صاحب المسجد وسأله عن سبب بنائه للمسجد الضخم والذي يبدو إنه صرف عليه أموالا طائلة! فأجابه: أريد بذلك وجه الله تعالى.
عند المساء جاء بهلول متسلّلا وعلّق على المسجد لافتة كُتب عليها: (مسجد البهلول)!
عرف صاحب المسجد بأمر اللافتة فذهب للبهلول وأخذ بتلابيبه وهمّ بضربه وهو يصرخ بغضب: كيف تنسب لنفسك عملا لم تقم به؟ كيف تكتب اسمك على مسجدي الذي بنيته بمالي؟
فرد عليه البهلول: ولكنك قلت إنك بنيته لوجه الله، والله يعلم إنك من بناه، فما يهمك إني كتبت اسمي عليه؟!
إن الله لا تخفى عليه نوايانا، ولا تبهره أعمالنا الضخة وعباداتنا العظيمة، إذا لم تكن خالصة ونقية، سوف يرمي بها في وجوهنا، لأنه تعالى لا يحب الشركاء، ولا يُخدع عن جنته !.
فلنحذر من أن نملأ جعبتنا بمتاع فاسد، أو أن نوقر ظهورنا بصناديق فارغة، فلا ينالنا منها سوى ثقل الأوزار، وخيبة السعي!.
اضافةتعليق
التعليقات