لعبت المرأة مؤخرًا دورًا مهمًا ونوعيًا في مجالات العمل المختلفة ولا سيما الإعلامية منها، واستطاعت أن تثبت وجودها وتترك بصمتها الخاصة من خلال مشاركتها بالبرامج المهمة والمهرجانات الدولية.
فكانت الكاتبة والباحثة والأستاذة والعريفة والمقدمة التي تعتلي المنصة بكل ثقة وتطرح رسالتها الإنسانية الى العالم دون أي قيود أو خوف.
بعدما كان ظهور المرأة يشكل مغالطات كثيرة بالنسبة للعالم الشرقي ويجعلها تحت المجهر إلاّ أن اليوم استطاعت أن تثبت وجودها بجدارة وتحقق نجاحات كبيرة بإلتزامها وحشمتها وتوضح للمجتمع بأن الإسلام لم يمنع المرأة من الظهور وأن لها ما للرجل من تكاليف وواجبات يجب أن تؤديها في الضرورة، خصوصا لو توفرت فيها الخصال والعوامل المؤثرة التي تؤهلها للوقوف أمام الجمهور والتحدث معهم والتأثير عليهم، لأن الإمكانيات في كل الأحوال تختلف من امرأة إلى أخرى، ويبقى الإحساس بالمسؤولية وتحديد الهدف هما العاملان الأساسيان اللذان يلعبان الدور الأكبر في تعزيز قدرات المرأة الخطابية في ميادين الحياة المختلفة.
وحتى يتقوّم هذا الدور بشكل أكبر وتتعامل المرأة مع كل الميادين القيادية التي وضعها الإسلام فيها يجب أن تقوّم مهارة التحدث والاقناع وتتعلم دهاليز الخطابة والتحدث أمام الجمهور، باختلاف الأعداد والأشخاص، ولأن التاريخ الإسلامي حافل بالنساء اللواتي أجدن الخطابة وامتلكن كل الأساليب والأدوات التي تصنع منهن الخطيب الناجح سنأخذ القدوة والمثل الأعلى التي شهد التاريخ لخطبتها العظيمة ألا وهي السيدة زينب (عليها السلام) التي أشعلت بخطبتها بعد واقعة عاشوراء فوانيس الوعي والبقاء الحسيني ليبقى نورها إلى يومنا هذا يضيء دروب السالكين.
وإننا نعرف بأن الدم في يوم عاشوراء قد انتصر على السيف، ولكن العامل الأساسي لهذا النصر الإلهي هو السيدة زينب عليها السلام، إذ أن بقاء الواقعة ونقلها كان مرهونًا بها، ولولاها لأندثر كل ما حدث ولم يبق للتاريخ شيئا يذكر.
فالدور الذي أخذته السيدة كان عظيما جدا وأثبت بأن المرأة ليست على حاشية التاريخ، إنما هي من تصنعه.
فموقفها مع العدو ووقوفها أمام القوة الطاغية التي بحسب الظاهر أنها غلبت وقمعت معارضيها أدى إلى أن تطبع السيدة على جباههم السوداء الذلة والخزي في قصورهم المشيدة وحولت الهزيمة العسكرية إلى إنتصار أبدي في الدم والكلمة.
وهذا إثبات واضح بأن المرأة المسلمة يمكن أن تطعن العدو بالكلمة بدل السيف، وبالعزة والحشمة تجاهد ألف منافق وكافر.
ولأن كل شخص يحتاج إلى مقومات تؤهله حتى يكون خطيبًا ناجحًا على أثره نقدم بعض النقاط المهمة التي نستلهمها من الخطبة الزينبية:
-تشخيص الجمهور:
إن عملية تشخيص الجمهور يعتبر أمرًا مهمًا جدًا وفيصليًا في الخطاب الموجه، إذ أن السيدة زينب شخصت الجمهور وعلى أثره كان كلامها موجها إلى (العدو) وهذا ما يمكن ملاحظته من خلال قوة التعبير والتحذير واستخدام الكلمات الحادة مع الحضور بما يناسب عمق الحادثة.
وعلى هذا الأساس يحدد الخطيب نوعية الجمهور سواء كان صديق عدو من الطبقة المثقفة أم العادية، من جنس النساء أم الرجال، شباب أم كهال...الخ.
إذ إن تحديد نوعية الجمهور سيسهل عملية كتابة الكلمة واستخدام الأفكار والمفردات المناسبة لكل عمر، وسيؤول الأمر إلى استخدام الأسلوب المناسب للمخاطبة، إذ إن الأسلوب الخطابي الموجه يختلف من فئة إلى أخرى.
-تحديد الهدف:
لقد كان هدف السيدة زينب (عليها السلام) جليًا وواضحًا ألا وهو تخليد الواقعة من التحريف والتضليل أولًا، وفضح هواجس العدو المضلة، والتشهير بما فعلوه بسبط رسول الله وآل بيته الكرام ثانيًا.
ونستنتج من هذا الكلام بأن تحديد الهدف هو بمثابة البنية التحتية للخطاب الموجه للجمهور، ويمكن من خلاله الوصول إلى الغاية الرئيسية.
-الاستعداد التام:
إن عملية الارتجال ليست بالسهولة التي نجدها، بل ملكة يمتاز بها الخطيب عن سواه في حال نسي الكلام أو حدث أمرا لم يكن في الحسبان، أو تعرض لأي ظرف غير متوقع، وإن ارتجال السيدة زينب للكلام في الوقت الذي كانت فيه رؤوس أهلها تتلألأ فوق الرماح أمرًا غير اعتياديًا بتاتًا إلاّ أنه متوقع منها لأنها امرأة غير اعتيادية ولها العصمة وأنها بنت أمير البلغاء وسيدة نساء العالمين.
وما امتازت به خطبة السيدة هي الفصاحة وكونها محبكة جدًا وذات بيان قوي وكلمات بليغة والأهم من ذلك أنها وقفت بكل شموخ وارتجلت الكلام بكل قوة وثقة وإنه لمن المستحيل أن تتكرر هكذا امرأة وهكذا خطبة في التاريخ.
ولكن ما يمكن أن نستلهمه من خطبتها للتعلم والإستفادة هو الوقوف بشموخ والتكلم بثقة وإخراج الكلمات من منبت الشفة بوضوح تام دون التردد والتلعثم، وتهيئة النفس لمواجهة أية ظروف خارجة عن السيطرة والتعامل معها بروح رياضية.
ولأننا لسنا معصومين فإن التحدث أمام الجمهور بكل ثقة واتزان ليس بالأمر الهيّن ومن الطبيعي أن يسبب الإرباك أو القلق، ولأن حفاظ الخطيب على هدوئه مهم وضروري جدا كي لا يفقد زمام الأمور من يده ويتعرض إلى النسيان أو التلكؤ بالكلام على أساسه يتطلب التدريب الكثيف والتهيئة النفسية.
تقول (هيلاري كلنتون) حول الخطابة: إذا لم تكن مرتاحا حول التحدت أمام الملأ ولا أحد يبدأ كذلك، فعليك تعلم ذلك عبر التدرب، أنا لا أستطيع المبالغة في أهمية التدريب، اجعل أحد الأصدقاء المقربين أو أفراد العائلة يقيمونك، أو شخص تعمل معه أو تتق به".
ومما لا شك فيه بأن الخطابة هي مهارة تصقل بالتدريب والممارسة وتحتاج لسانا لبقا وكاريزما خاصة لتخلق جوا من التأثير الإيجابي على الحاضرين حتى تصل الرسالة إليهم بكل وضوح وشفافية، وأن ما يزيد من جودة الإلقاء هو دراسة الخطب العظيمة على مر التاريخ وتحديد مكنوناتها وتلخيص العبر والتعرف على الشخصيات التي أُثرت بالعالم وتركت بصمتها وبقيت كلماتهم تتناقل على ألسنة الناس إلى يومنا هذا مثل العقيلة زينب وأمها الزهراء (سلام الله عليهما) وغيرهنّ من النساء المسلمات اللاتي بقيت كلماتهن مرجعا حقيقيا وصاعقا للتاريخ.
فمسؤولية المرأة اليوم هي أكبر مما كانت عليه بالأمس مقارنة بالضغوطات والهجمات الغربية التي تحاول أن تستهدف المعتقدات الإسلامية لتتمكن من تغيير مجرى العقول بما يتناسب مع مصالحها الشخصية، فعلى النساء التحزم الدائم بالعلم والعمل ومساندة الدين من خلال نشر التوعية في أي مكان شوهد من خلاله تفشي السموم الغربية والأفكار الطاعنة بالإسلام سواء في البيت، الجامعة، المدرسة، المحفل، الشارع أو أي مكان استطاعت فيه أن تخلق الفرصة للتحدث وإن لم يتجاوز جمهورها شخصين فقط.
ويقول في ذلك أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب (عليه السلام): "قليل الحقّ يدفع كثير الباطل، كما أنّ القليل من النار يحرق كثير الحطب" (المصدر: غرر الحكم).
فكل واحدة منّا يمكنها أن تعمل بتكليفها وتدحض الباطل بالكلمة من مكانها ومركزها مادام الباطل موجودا ويحاول مد جذوره في عقول الناس واستغلال أي فرصة ليتسلل إليهم ويسمم أرواحهم السماوية..
اضافةتعليق
التعليقات