عندما نلقي نظرة تأملية على سورة طه نجد أنها تتمحور بين كون الخطاب فيها موجه بشكل خاص للنبي الأعظم (صلى الله عليه وآله)، وبين كونها ركزت بشكل كبير وواضح على ذكر أحوال النبي موسى (عليه السلام) وتفاصيل مسيرته الملهمة.
فكما إنها سورة أنزلت على نبينا (صلى الله عليه وآله)، هي موجهة لكل واحد منا، كما نقرأ في أول السورة قوله تعالى: {طه○ مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى○ إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى} (طه:1-3).
فواحدة من آياتها التذكيرية هي قوله تعالى: {قَالَ لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى} (طه:46)، هنا عند التأمل سنرى كم يَمر بنا هذا الموقف، في كل خطوة نخطو إليها، كل مبادرة نسعى لتقديمها، كل كلمة حق نريد أن ننطق بها أمام من ينبغي أن نسمعها إياه، ولكن هناك ما يحول دون ذلك، فنتوقف، إنه [الخوف].
نعم، إنه الخوف من الفشل فلا نخطوا، الخوف من الرفض فلا نقدم، الخوف من فقدان المقابل فنختار الصمت..، هنا يأتي كتاب الله بهذه الآية ليقول لنا كيف نتغلب على خوفنا، فلا نتوقف أبدًا.
وذلك بأن ندرك حقيقة أن كل سعي وإقدام يكون لله تعالى، وبعين الله تعالى، ولِما يتوافق مع مراد الله تعالى، لابد أن يَحل محل الخوف منه الإطمئنان.
نعم إن إدراك هذه الحقيقة حتى تصبح مَلكة، وتجسيدها في حياتنا وعلى أرض الواقع ليس بالأمر السهل، فلو تخيلنا فقط مجرد تخيل طبيعة صعوبة موقف النبي موسى (عليه السلام)، وكيف إنه كان عليه أن يذهب لوحده، ليقابل من طغى واستعلى، ومن بيده قوة تلك المعمورة كلها، سنفهم ذلك.
بل لو لم يكن صعباً لما أمر الله تعالى نبيه بأن ينفي هذا الشعور عنه متى ما أحس به، ولكنه في النهاية اختار الإمتثال وسارع بالإقدام، لأن الله تعالى أعطاه هذه التذكرة، بلى! فاستشعار معية الله قد يكون صعب إلى درجة أنك في أغلب الأحوال لابد أن تخاف ثم تتذكر حتى يزول خوفك [فتطمئن]، لتتذوق هذا الشعور.
أن تخاف من الأصوات التي حولك التي تريد لكَ غير مرادك ثم تتذكر إنه يسمع ما يقولون لكَ، ويسمع ما يقوله قلبكَ إليه (جل وعلا)، فيُنزل عليكَ الإطمئنان.
وتتيقن إنه يرى مخططاتهم ومحاولاتهم كي يغيروا مساركَ، يرى خوفك من أن تتنازل لضغطهم وتسلطهم، فيريكَ لطفه بأن يضعف حولهم أمامك ويقويكَ، يريك فشل خططهم، لتطمئن، فتستمر، بل يريكَ حتى خوفكَ من نفسكَ فيبصرك حقيقة هيمنته عليها، فيمدكَ بالقدرة على الهيمنة عليها.
ولعل فرض أن لا نخاف من البداية، فلا نسمع لتلك الأصوات المعارضة، ولا نرى تلك القوة التي لديهم ولا نملكها، غير وارد؟ لأن وجود الخوف ابتداءً هو شعور لابد منه؛ ليربي ويُقوم وينقي نفوسنا؛ فيجعلنا لا نرى لأنفسنا ولا لغيرنا حول ولا قوة في قبال حول وقوة الله تعالى.
كما إن لوجود هذا الشعور طعم آخر في بناء علاقتنا مع السميع البصير الممتدة على طول رحلتنا في هذا العالم، فنحن موجودات تميل إلى رؤية وتلمس الآثار قبل تحسسها، ثم تتوثق عندها الأمور اليقينية بخالقها.
لذا فليكن هذا الخوف محفزا لنفتح به نوافذ رحمة الله وتوفيقه وعونه المحيط بنا دوماً، ليكون لنا نورًا يزيل أي ظلمة نخشاها في الدرب لنستمر، فلا نتوقف بكل الأحوال.
اضافةتعليق
التعليقات