كانت ساعات الصباح الأولى ثقيلة متباطئة، كل شيء هادئ كأنما الحياة قد توقفت ما عدا أنفاسي التي أسمعها جيدا وبدأت التساؤلات تحيطني كسور عال، ماذا سأفعل اليوم لأقتل الملل وأبعده عن أفراد أسرتي بعد أن حكمت علينا كورونا بالسجن لمدة غير معلومة!.
فكان أطفالي فرحين في الأيام الأولى من إعلان حظر التجوال، أما اليوم وبعد مضي أكثر من شهر بدأ الملل يتسلل إلى قلوبهم الصغيرة وبدأت ساعات النهار تذوب مع ساعات الليل ويكثرون من الأسئلة، إلى متى سنبقى في البيت؟ نريد أن نخرج.
وكنت أنا أشعر بنفس الملل وحالة من الاكتئاب تعتريني فقد تعودت على الاستيقاظ مبكرا والذهاب إلى عملي وأن أخرج متى أريد ذلك، ماذا أفعل؟
كل هذه التساؤلات التي طرحت من الأم وأفراد أسرتها في هذا الوقت هي أسئلة لكل الأسر العراقية إذا لم تكن للعالم أجمع بعد انتشار جائحة كورونا والتي فرضت حجرا صحيا على أغلب الناس.
فكانت لبشرى الحياة هذه الوقفة مع بعض الأمهات ومعاناتهن من الحجر الصحي ومعرفة آرائهن والطرق التي اتبعنها في التغلب على الملل وتهيئة أجواء صحية لأفراد أسرهن.
كان لقائنا الأول مع من تحدثت معنا في البدء الموظفة إسراء علي تبلغ من العمر 38 عاما حدثتنا قائلة: أعجبتني فكرة الحجر الصحي في بادئ الأمر لأرتاح قليلا من وظيفتي وأستمتع مع أفراد عائلتي وتحقق ما أريد في الأسبوع الأول لكن عندما تجدد الحظر لأيام أخرى بدأ الملل يتسلل لي ولأفراد عائلتي ما عدا زوجي لكونه رجل أمن لم يشمل بقانون الحظر وبدأ الضجر يرافق أفراد أسرتي وخصوصا الصغار ولا أعرف كيف سنقضي بقية أيام الحظر القادمة.
مواقع التواصل الاجتماعي
أم غيداء ربة بيت 35 عاما لم تبال لحظر التجوال فقد أكدت أثناء حديثها معي، أن "حظر التجوال ليس بالغريب علي، فأنا لا أخرج إلا في المناسبات والأعياد وكذلك أطفالي ففي بيتي وسائل الترفيه موجودة كاجتماع أسرتي مساءً ومشاهدة التلفاز والتواصل مع أخواتي وصديقاتي عبر وسائل التواصل الاجتماعي كالفيسبوك والواتساب فلا ضرر من عدم الخروج في هذه الفترة المهم سلامتنا من هذا الوباء.
أما رسل عبد الهادي طالبة في الجامعة فقد كان رأيها مختلفا، حيث قالت أن "كورونا هو الموت الأسود بعينه فبالرغم من تواجد وسائل التواصل الاجتماعي والألعاب فقد أصابني الملل وأتمنى عودة الحياة إلى طبيعتها فقد أصبحت مرافق الحياة معطلة كالمدارس والجامعات والمؤسسات والدوائر حكومية فإنني أراه ضيفا غير مرحب به ولم أشهد حظرا في حياتي كهذا بالرغم من المحن التي مرت على بلدنا، قد يكون الحظر لساعات متأخرة في الليل لكن الحياة تسير بصورة طبيعية، أما الآن فقد توقف كل شيء.
الاكتئاب والملل
أم محمد 45 عاما لم أجني من حظر التجوال الا معاناتي مع ابني الذي أصابه الملل والاكتئاب من الفراغ والمكوث في البيت وبدأ يرى الأشياء بعين سوداوية ويصرح بأشياء مرعبة كقوله بأن كورونا هو نهاية العالم ولا حياة بعد الآن حتى أني أخاف أن أراه قد يلتجئ إلى الانتحار بسبب اليأس من كورونا اللعينة.
سارة صاحبة العشرون عاما ووجهها الذي يضج بالحياة تقول: بدأت أشعر بالغثيان لتكرار وتشابه الأيام وأشعر بالخوف والأفكار السوداوية بأن كورونا سينتشر في كل العالم فما أسمعه من أخبار وبأن الدول المتقدمة تقف عاجزة عن إيجاد علاج لهذا المرض وأعداد الوفيات قد بلغت مئات الآلاف يشعرني بالخوف أضف على ذلك الحظر وبدأت الأيام تتشابه علينا حتى لم نعد نبالي بمعرفة في أي يوم من الأسبوع الأحد أم الاثنين أو حتى يوم الجمعة!.
نفحات إيمانية
استقبلتني أم علي بوجهها المنير وعندما سألتها عن كورونا وحظر التجوال قالت أن كورونا لا يخيفني فأنا انظر إلى أننا في أشهر مباركة ونغتنم بقائنا في المنزل بالصيام وأداء أعمال هذه الأيام المباركة وما شاء الله فعل وستزول هذه الغمة وهذا الوباء كسابقتها من المحن فقط نحتاج إلى الصبر والتوجه بقلب سليم ونية صافية وندعو الرحمن أن يكفينا وأبناء بلدنا من هذا الوباء بإذنه ومشيئته.
وبادرت الحاجة أم صالح التي كانت تعاني من ثقل في السمع لكن سبحان الله كورونا جعلتها تسمع وتشاركنا الحديث قالت: يابنتي أصابنا قديما مرض الكوليرا ومات العديد ممن أتذكر وكان والدي رجلا وقورا وذكيا حضر لنا المؤونة الكافية من الطعام وأجلسنا في المنزل حتى انجلت الغمة فالمنزل هو الحصن الوحيد الذي ينجينا من هذا المرض، أما أنتم هذا الجيل لم تشهدوا أوبئة فترونها كل العجب.
رؤية نفسية
في هذا الجانب كان اتصالنا مع استشارية العلم العلاجي الدكتورة ريما بتجاني، حيث أكدت أن محنة كورونا لها آثار نفسية كما لها آثار جسدية على الفرد فقد سمعنا إقدام الكثير في الصين وإيطاليا على الانتحار بسبب هذا الوباء وقد رافق حظر التجوال والاصابة بكورونا حالات انتحار للأشخاص الذين لديهم أفكار سوداوية ولا يستطيعون النظر بنظرة إيجابية لواقع الأمور.
نتأمل من الأسر أن يبعدوا الملل والقلق وعدم الوصول إلى حالة الاكتئاب بممارسة الرياضة وقتل الروتين بمشاهدة أمور مسلية والابتعاد عن متابعة أخبار كورونا أغلب الأوقات بالإضافة إلى التواصل مع الأصدقاء والأقارب عن طريق وسائل تواصل الاجتماعي وتحضير وجبات طعام غريبة والاجتماع حول المائدة والايجابية في التعامل مع أفراد الأسرة إلى أن تنجلي هذه الغمة بإذنه تعالى.
اضافةتعليق
التعليقات