كان هناك مُدرس حكيم ومجتهد يُقدر التعليم حق تقدير، في يوم من الايام حين كان موعد اختبار مادته اراد ان يُعطي درساً مميزاً لتلامذته لا ينسوه ابداً، فأجرى الامتحان بطريقة غريبة ومُدهشة جداً، حيث اخبر تلاميذه انه قد احضر ثلاثة نماذج من اسئلة الامتحان، كل نموذج يناسب فئة معينة.
النموذج الاول: يناسب الطلاب المتميزين (اسئلة صعبة، تحتاج الى عبقرية نوعاً ما).
النموذج الثاني: يناسب الطلاب في المستوى المتوسط (الاسئلة عادية، لا تتطلب الكثير من التركيز والذكاء).
النموذج الثالث: يناسب ادنى المستويات ممن الدراسة اخر همهم (الاسئلة البسيطة جداً).
تعجب الطلاب وانمزجت الدهشة والفرحة على وجوههم، طلب منهم الاستاذ ان يختاروا النموذج الذي يناسبهم، هرول القسم الاكبر من الطلاب نحو النموذج الثالث فأختاروا ابسط الاسئلة، ثلة قليلة اتجهوا نحو النموذج الاول ليختاروا الاسئلة الصعبة التي تحتاج الى ذكاء خارق، وعدد اكبر قليلا اختاروا النموذج المتوسط.
بدأوا حل الاسئلة والاستاذ يرصد ردة افعالهم، فبعض الطلاب الذين اختاروا النموذج الاول (الصعب) لاحظوا ان الاسئلة ليست بتلك الصعوبة المتوقعة وشعروا انهم قادرين على حلها بسهولة، اما الذين اختاروا الاسئلة المتوسطة فوجدوها بالفعل اسئلة عادية ولا تحتاج الكثير من التفكير لحلها وبعضهم ود لو اختار النموذج الاصعب فربما كانوا قادرين على حلها، اما اغلبية الطلاب وهم الذين اختاروا النموذج السهل صُدموا بواقع الاسئلة فلم تكن بمستوى بسيط جدا وعجزوا عن حل الكثير منها.
انتهى الوقت المحدد للأختبار، جمع الاستاذ الاوراق واخبرهم بأنه سيُعلن النتائج بعد قليل، دهشوا من هذا الخبر فالوقت لا يسمح للأستاذ بتصحيح جميع الاوراق واشتدت دهشتهم وهم يرون استاذهم ينظر الى اسم الطالب ويرى اي نموذج اختار ليحدد درجته دون ان يراجع اجابته، لم يفهم الطلاب ماذا يفعل استاذهم واختاروا الصمت والعجب حتى ينهي الاستاذ عمله.
التفت اليهم الاستاذ وقال لهم اليكم مافعلت: النماذج الثلاث كانت بنفس المستوى ولا يوجد اي اختلاف.
واما بخصوص النتائج فإن الذن اختاروا النموذج الصعب لهم درجة الامتياز، والذين اختاروا المتوسط لهم درجة المتوسط، والذين اختاروا النموذج البسيط فلهم درجة الضعيف، واعلموا أنني لم اظلم احد فأنتم من اخترتم مستوياتكم بأنفسكم.
هكذا نحن في هذه الحياة، اذا وثقنا بأنفسنا وقدراتنا الابداعية التي اوجدها الله تعالى فينا وعملنا بجد ومثابرة سنكون مستعدين لمواجهة الصعاب وتخطيها.
اما اذا تكاسلنا عن العمل وثبطنا من عزيمتنا سنرى كل ما في الحياة صعب ولن نستحق غير درجة ضعيف.
وعلينا ان نعلم ان ما نراه في أنفسنا ونقدره لها هو ما سيراه الناس بنا، لأنهم لن يقيمونا بأكثر مما نقيمه لأنفسنا، فالحياة لا تُعطي شخصاً بأكثر مما هو مستعد لمواجهتها.
ولأن محاسبة النفس وتقييمها الدائم سبيل نحو تطويرها والارتقاء بها، بين سادة البشرية اهمية المحاسبة اليومية، فقد روي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) انه قال: (يا أبا ذر!.. لا يكون الرجل من المتقين، حتى يحاسب نفسه أشد من محاسبة الشريك شريكه).
وروي عن الإمام الكاظم (عليه السلام) أنه قال: (ليس منا من لم يحاسب نفسه كل يوم: فإن عمل حسناً استزاد الله منها، وإن عمل سيئاً استغفر الله وتاب منها).
اضافةتعليق
التعليقات