كلماتنا ليست إلا أصداء ذاكرة البوح الندي، أحرفنا نخطها يوماً بعد يوم لننقش بها لوحة ولاء تكون ذخرنا يوم افتقارنا.. وعيونكم أحبتي هي خير من تقرؤنا.
الكتابة عن جبل الصبر ليست سهلة، فهي تحتاج إلى تحشيد رؤى بثقل ذلك الجبل الصبور، وإلى بيان مسارات عدة ساهمت في صياغة أيقونة الزهراء، وإلى استنطاق زمن كانت زينب فيه ثمرة جديدة لبهجة مونقة ألقت بوداعتها فيضاً عارما للبيت الفاطمي.. فكانت أنسهُ وسعادته وبشارته.
قيل: أنّ نسب الإنسان وانتماؤه العائلي هو من يبلور شخصيته، ويعطيها طابعها الخاص، فكيف بنسبٍ يجمع بين المصطفى والمرتضى؟!
لقد تربت السيدة زينب عليها السلام في أجواء متناغمة من الطهر والعفاف والحب حتى أضحت مرآة تُعكس مع كل نقاء منها جانباً صقلته أكف النبوة والإمامة معاً، فنالت بذلك خصال العظمة والتفرد وعلو المناقب والسجايا..
وبلغت منزلتها الرفيعة ومكانتها السامية في البيت النبوي مبلغاً عظيماً يعجز القلم عن بيانه ووصفه، ويحسر عن تعداد مكارمها ومناقبها.
فكانت بحق وريثة البيت النبوي بكل ما فيه من مجامع الخلق والعلم والفصاحة والبيان.
بعد رحيل أمها الزهراء كانت زينب أماً رؤوماً لإخوتها وإن كانت تصغرهما سنا.. لكنها تربت في بيت كان الحسنان يبجلان فيه ويُمنحان الحب والحنان من جدهما ووالديهما، فكيف لا تغدق عليهما من عاطفتها الجياشة رحيق حب وحنان وهي من عاشت في ظل جد يناديهما في كل آن ب: يا ريحانتاي من الدنيا؟!.
وليست من الغرابة في شيء أن تتميز الحوراء بالعطف والحنان اتجاه أخويها.. لأن مساحة الفقد الذي حل في بيت علي عليه السلام لا يملؤه سوى أنثى يتدفق الحنان من جانبيها.. تمارس أمومتها المبكرة قبل أوانها، فكانت زينب تلكُم الأنثى والأم معاً.
وترعرعت الحوراء وكبرت وكبر معها حبها واهتمامها بأخويها الحسنين فكانت نِعم الأخت الوفية لهما.. لم تتركهما في كل منعطفات الحياة، بل كانت لصيقة بهما تعضدهما وتسير معهما على ذات المنهج.
إلا أن معالم شخصية الحوراء عليها السلام توضحت بدقة أكثر بعد واقعة الطف الأليمة، فقد وُصفت بأنها حاملة رسالة دماء الشهداء، وحاكية الملحمة الحسينية، والاعلامية الأولى في نشر وقائع الملحمة، وهي الأولى كذلك في فضح الأشقياء والظالمين ممن تلطخت أياديهم بقتل سيد الشهداء وأصحابه وأهل بيته... فكانت الأولى في كل شيء.
صوتها وبيانها الثوري غدا رسالة كل ثائر وستبقى الحوراء زينب مثال العز والرفعة، وأسوة الثبات والصبر والصمود والرضا.
وقد رسم الفقيه المؤرخ العلامة السيد محسن الأمين العاملي معالم شخصيتها بقوله:
((كانت زينب (عليها السلام) من فُضليات النساء، وفضلها أشهر من أن يذكر، وأبين من أن يُسطر... وتعلم جلالة شأنها وعلو مكانها، وقوة حجتها، ورجاحة عقلها، وثبات جنانها، وفصاحة لسانها، وبلاغة مقالها - حتى كأنها تفرغ عن لسان أبيها أمير المؤمنين (عليه السلام) - من خطبها بالكوفة والشام، واحتجاجها على يزيد وابن زياد بما أفحمهما، حتى لجئا إلى سوء القول والشتم وإظهار الشماتة والسباب الذي هو سلاح العاجز عن إقامة الحجة. وليس عجيباً من زينب الكبرى أن تكون كذلك وهي فرع من فروع الشجرة الطيبة)).
واليوم ونحن نعيش أجواء ذكرى ولادتها الميمونة، لا يفوتنا أن نذكر أن السيدة زينب عليها السلام، كانت وستظل مدرسة لتخريج الزينبيّات ممن يتخذنها قدوة وأسوة في الجهاد والصبر.. وهل هناك في الدنيا مثالاً يُحتذى كمثل زينب في الورى.. ياترى؟
اضافةتعليق
التعليقات