تحت عنوان: (الطريق الى بناء وعي تعاوني) أقيمت ندوة ثقافية الكترونية باستضافة سماحة الشيخ مرتضى معاش رئيس مؤسسة النبأ للثقافة والإعلام، وبحضور جمع من المؤمنات من مختلف دول العالم، حيث عقدت الندوة في يوم الأربعاء المصادف 16 ذي القعدة والموافق 8/7/2020 م، الساعة الثامنة والنصف مساءا.
ابتدأ الشيخ مرتضى معاش حديثه قائلاً:
قال الله تعالى في كتابة الحكيم (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ والتقوى، وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ، وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ).
في هذه المحاضرة الملخصة نحاول أن نسلط الضوء على قيمة مهمة من قيم التقدم والنجاح التي طرحت في القرآن الكريم وأحاديث أهل البيت (عليهم السلام) وهي قيمة التعاون وكيف يمكن للوعي التعاوني وتطبيقاته أن يؤدي إلى نجاح المجتمع واستقراره وازدهاره وتحقيق ذلك المبدأ الذي طرحته الآية القرآنية (كنتم خير أمة أخرجت للناس...)، وعلى العكس من ذلك كيف أن غياب الوعي التعاوني يؤدي إلى الانقسامات والنزاعات وبالتالي التخلف والفشل، ومن خلال الآية القرآنية نحاول أن نستكشف بعض الآراء والافكار التي من الممكن أن تعطينا ضوءا في طرق حياتنا من أجل بناء النجاحات الحياتية والمجتمعية.
القصد من مفهوم الوعي التعاوني هو قبل أن يكون هناك تعاون لابد أن يكون عندنا وعيا وفهما وادراكا للفكرة، فالوعي التعاوني هو سابق للتعاون أصلا، فلا يمكن بناء تعاون حقيقي جوهري مالم يكن هناك وعيا بهذا التعاون يترسخ في عالم أفكارنا فيعيش داخل المنظومة الفكرية والأخلاقية وفي ثقافتنا، فأي فكرة أو عمل نعمله إذا أردنا أن يكون ناجحاً أو صحيحاً لابد أن يكون قبله وعيا فكريا وثقافيا لهذه الفكرة، والتعاون هو كذلك، لابد أن يسبقه وعيا بأهمية التعاون وأهميته ودوره في حياتنا وسلوكياتنا وعلاقاتنا الاجتماعية.
إن الإنسان الناجح هو نتاج المجتمعات الناجحة، وإن كان هناك أناس حولوا مجتمعاتهم إلى مجتمعات ناجحة وهذا استنشاء، ففي أغلب الأحيان الانسان الناجح يخرج من مجتمع ناجح، لكن هناك بعض الشخصيات العظيمة حولت مجتمعاتهم الفاشلة إلى ناجحة مثل الأنبياء والأولياء الصالحين والعلماء ورجال الدين والمفكرين والمثقفين، لكن في الكثير من المجتمعات الفاشلة يستسلم الناس في أغلب الأحيان للفشل، ويتعايشون مع ذلك الفشل الاجتماعي، ويتهربون من تحمل المسؤولية ويسلكون طريق العزلة أو الهجرة، ويتركون تطوير مهاراتهم وامكانياتهم الذاتية وبالتالي يستسلمون للواقع، فالبعض عندما يرى أن المجتمع صعب معقد وفيه الكثير من المشكلات، يبدأ في التفكير في نفسه وتحقيق أمنه الاقتصادي وحياته ورفاهيته فقط، ولكن كيف يمكن تصور أن الانسان يعيش مرتاحاً مرفها في مجتمع فقير، أو يعيش شبعانا في مجتمع جائع، أو يعيش ناجحاً في مجتمع فاشل، متعلماً في مجتمع جاهل، هذا التوهم موجود عند بعض الناس يعتقدون أنه يمكن العزلة والحياة الانفرادية حيث يستطيعون بناء حياة خاصة كاملة، وهذا هو عين الوهم الذي يعيشه الكثير من الناس.
فكيف يكون الربح الانفرادي ربح والآخرون خاسرون؟ فأن نفكر لوحدنا ونعيش منفردين منعزلين وغير مهتمين بالآخرين ولا نستمع لآرائهم هي معادلة فاشلة. لأن هذا النوع من التفكير والسلوك خلاف توجيه القرآن الكريم وسيرة الأنبياء وأهل البيت (عليهم السلام) التي كان هدفها تحقيق معادلة صعبة ولكن ناجحة وهي بناء الربح للجميع.
وعن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قالَ: (ما ءامنَ بِي مَنْ بَاتَ شبعانَ وجارُه جائِعٌ إلى جَنْبِهِ وَهُوَ يَعْلَمُ بِهِ)، (وما من أهل قرية يبيت وفيهم جائع ينظر الله إليهم يوم القيامة) فهذا الجائع هو الذي يقال عنه المصطلح المعاصر أنه يعيش تحت خط الفقر أو الفقر المدقع والذي يذكرونه في المقاييس الدولية أنه يعيش يوميا بدولار أو دولار ونصف، فكيف نكون مسلمين وحولنا أشخاص جائعين، فهذه في كل الأحوال معادلة خاسرة.
وأضاف الشيخ مرتضى معاش: إذا أردنا أن نكون رابحين، ناجحين، مؤمنين، لابد من الرجوع إلى الآية القرآنية (وتعاونوا على البر والتقوى) فهي الطريق لبناء مجتمع ناجح ناج، والوصول إلى النجاة يأتي عن طريق التقوى، وهي الورع عن محارم الله، فالتقوى طريق النجاة، (ومن يتق الله يجعل له مخرجاُ ويرزقه من حيث لا يحتسب)، والتقوى تأتي من خلال العمل الجمعي التعاوني الكبير الذي يحصل في المجتمع من خلال تراكم الأعمال الصالحة والخيرية والحسنة التي تتحول اطارا وحصنا للأمة والمجتمع والأسرة.
مفهوم قانون التراكم في علم الاجتماع هو نفس مفهوم القطرات والذرات فهذه القطرات انتجت الأنهار وخلقت البحر والمحيط حيث تراكم الصغير إلى أشياء كبيرة جدا (ومن يعمل مثقال ذرة خيرا يره) تتجمع الأعمال الخيرة وتتراكم فيخلق ذلك المحيط الكبير من الحياة السعيدة والناجحة فالتعاون أساس في بناء التراكم الذي نحتاجه في بناء حياة ناجحة.
فالإنسان لدية طاقة كبيرة تشبه قانون القطرات والذرات، فهذه الطاقات اذا لم تنجمع لعمل الخير وتتعاون في الاحسان والعطاء وبناء العمل الصالح تتحول إلى طاقة سلبية، فالطاقات الإيجابية إذا انعدمت أو تضاءلت تتحول إلى طاقات سلبية، فعلى فرض عدم التعاون في الأسرة أو المدينة أو المجتمع أو العالم تكون النتيجة طاقة سلبية مدمرة عبر تحولها الى مجموعة من الآثام والمعاصي التي تنتج العنف اللفظي والفكري والجسدي، فإذا لم يكن هناك ضياء سيكون هناك ظلام، وإذا لم يكون ليل سيكون نهار، فإذا لم نتعاون في الخير تتحول طاقاتنا إلى الشر مثل المال الذي لا يصرف في الخير سيصرف في الشر حتى وإن كان قد خبأها ولكنها ستصرف في النهاية، وكذلك الطاقات الإنسانية إذا لم تصرف في طريق الخير ستصرف في طريق الشر.
واصل الشيخ مرتضى حديثه قائلا: نلاحظ اليوم النزاعات الأسرية والاجتماعية وكذلك السياسية والعرقية تنتهي إلى ممارسة العنف ونزف الطاقات والتوترات بين الأفراد، وتتحول الحياة إلى جحيم، لأننا لا نفكر كيف نطور هذه الطاقات واعادة بنائها ضمن اطار التقوى، واليوم مع الجائحة نرى كيف العالم يفتقد روح التعاون فيما بين الدول والمجتمعات لمواجهة الكوارث الطبيعة فغياب الوعي التعاوني يؤدي إلى النزاعات والفشل، (وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ)، ويؤدي إلى هيمنة والاستبداد ونزعة الأنانية وسلوك العنف، وإذا لم نعرف كيف نحول الطاقات إلى ايجابية ستسيطر نزعات الحسد والبغض والكراهية والنفاق التي هي نتيجة للطاقات السلبية التي انتشرت بسبب عدم التعاون.
هناك أهداف كبيرة للتعاون:
1- نحتاج إلى التعاون من أجل بناء السلم الاجتماعي: فلا تكن مجتمعاتنا منشطرة متفككة فنرى شبكات التواصل تعيش بالنزاع والتسقيط والسب والشتم وكل هذه تؤدي إلى بناء الكراهية بين الناس والنزاعات العرقية والطائفية، التي تهدد السلم الاجتماعي فنحتاج إلى التعاون حتى نحصل على السلم الاجتماعي.
2- لإحتواء النزاعات والمشكلات: لأنها موجودة بطبيعة الحال ولكن بعض المجتمعات والجماعات تتضخم فيها لعدم وجود التعاون لحل المشكلات ويتم اختيار الصدام على الصلح و(الصلح خير) ومن أفضل الأعمال التي ذكرها القرآن الكريم هو الصلح، واحتواء النزاعات والمشكلات ليس صعبا ولكن هو تغيير في الأسلوب، فالتعاون ليس تنازلا وإنما هو رفعة للإنسان فالإنسان المتعاون هو انسان عظيم ورفيع وليس مستسلما، وبالعكس من ذلك الانسان غير المتعاون هو ذلك الانسان الضعيف لا يستطيع أن يتفاهم ويتحاور ويشغل عقله للوصول إلى ذلك النضج الكبير في حياته، فكلما الانسان كبر عقله ووسع في مداركه وآفاقه وثقافته يستطيع أن يكون انسانا مع الآخرين ومتعايشا وعاملا معهم.
في بناء المجتمعات كل فرد هو بحاجة إلى الفرد الآخر حيث ضرورة عملية التكامل الاجتماعي والحاجة الحتمية بين الناس مثل الحاجة للخباز والمهندس والطبيب والمعلم ورجل الدين، وفي علم الاقتصاد هناك قاعدة تعبر عن التعاون والحاجة المتبادلة يطلق عليها سلاسل الامداد.
ومن أحد أسباب تقدم المجتمعات هي الثقة بين الأفراد والثقة تحتاج أن يكون الانسان متقياً متعاونا، ويدرك المصالح العامة للمجتمع، فلذلك أهم النقاط التي نحتاجها هو بناء التكامل الاجتماعي حتى في الأسرة، فليست المرأة وإنما بقية الأفراد مسؤولين فالأب والأبناء الجميع يعمل داخل البيت وتقسيم المهام داخل الأسرة يؤدي إلى أسرة ناجحة وهذا يحتاج إلى ثقافة وتعويد من الصغر حتى يخلق الاستقرار الأسري الناجح.
3- بناء النظام العام والانضباط والالتزام: الفوضى من الأشياء المتعبة فلا أحد منا يرغب العيش في الفوضى، التي تؤدي إلى انتاج أشياء سيئة، فالفوضى تؤذي الانسان وهو ينسجم مع النظام أكثر، فالنظام ليس أمنية وإنما عمل فالذي يعيش لوحده ولا يهمه الالتزام بالنظام ويحقق لذاته ومتعه وبالنتيجة يعيش لوحده فهذه هي الفوضى، والنظام يضبط الفرد ويجعله أكثر تعاوناً، فالنظام هو الالتزام بالمسؤولية، وهذه النقطة مهمة جدا للمسؤولين لابد أن يكون النظام موجودا، لنجاح أعمالهم لابد من المشاركة في المسؤولية وعدم التحكم في الآخرين فالمشاركة تؤدي إلى نجاح المؤسسات.
4- حماية المنظومة الأخلاقية: حتى لا ينهار المجتمع أخلاقياً واجتماعياً فمن أسبابها الأنانية، والاستئثار، والاستبداد، هذه تؤدي إلى انشطارات في المجتمع مثل الحسد والتهمة والتسقيط وإلى مشاكل أخلاقية ومعاصي كثيرة، مثل الاثم الذي ذكر في الآية القرآنية يستحق العقاب، فيكون نتيجتها آثار وضعية في الدنيا وعقاب في الآخرة، وخلق المعاصي الكبيرة منها الحسد والتهمة والتسقيط، فنحن نحتاج إلى التعاون لبناء منظومات أخلاقية والأشياء الطيبة التي تحث الانسان على فعل الخير واحترام الآخرين والمشاركة والشورى والاستشارة والحوار والانسجام.
5- حماية الحريات: فاحترام الحرية الدينية والاجتماعية والحقوقية تأتي من خلال التعاون وفي حال عدم وجودها تنتهك الحريات وفي الحديث (لا ضرر ولا ضرار) فيحمي حقوقنا وحريتنا.
وأضاف معاش: هناك بعض النقاط في تحقيق التعاون الخيري المتراكم للوصول إلى الهدف التقوى:
أ. السعي إلى أعمال الخير وقضاء حوائج الناس لتحقيق التراكم.
ب. احترام الآخرين وتقديرهم والاستماع إلى آرائهم فهذا هو أفضل الأعمال فاحتقار الآخرين وعدم احترامهم سيؤدي إلى انتهاك حرمة المؤمن فالتعاون هو احترام الآخر وهو جوهر التقوى، وأسوء الآثام هو انتهاك حرمة الآخرين بسوء الظن والتهمة والتسقيط والتقليل من شأنه، وعن الامام الصادق (عليه السلام) قال: من أعان على مؤمن بشطر كلمة لقي الله عز وجل يوم القيامة مكتوب بين عينية آيس من رحمتي، والمقصود من أذية المؤمن بكلمة أو موقف.
ج. بناء ملكة الحلم: أن يكون حليماً وعن الامام علي (عليه السلام) "إن لم تكن حليم فتحلم"، ويسمى في علم النفس يسمى النضج الانفعالي، فلابد من السعي في تطوير أفعاله وتصرفاته وتمرين النفس وترويضها للوصول إلى مرحلة الحلم، وعناصر الحلم هي الصبر والتحمل والعفو والتغاضي، فهذه عوامل لبناء النضج عند الانسان وتربيته على النضج وبناء الوعي الاجتماعي وقدرته على الانسجام مع الآخرين والتعامل معهم.
ولبناء ملكة الحلم عندنا والعفو والتحمل لابد من التمسك في قضية اللاعنف المطلق (اللفظي والجسدي والفكري والقلبي)، بحيث يخلع ثوب الكراهية والحقد حتى يكون انسانا ناضجا ومتفانيا في التعاون، فأحد عوامل عدم التعاون السعي المتهالك نحو المصالح الشخصية والأرباح الفردية، والأهواء الشخصية والأنانية والتسمك بالسلطة والإحساس بالنرجسية والحساسيات الوهمية فيشعر دائما أن الآخرين يتأمرون عليه، ويغرق سنوات في نزاع لكلمة أو موقف من الآخر، فهذه أوهام شيطانية تعبر عن النرجسية والاحساس بالعظمة عند الانسان، فعلى الانسان المؤمن أن يقلع هذه الأوهام من فكره وقلبه، ويروض نفسه وروحه على قلع هذه الحساسيات بحسن الظن والاحترام وعدم اصدار الأحكام على الآخرين.
وقال معاش: نحتاج إلى بناء التعاون وإلى نبذ الاستبداد "من استبد برأيه هلك" فالفشل الموجود في مجتمعاتنا هو نتيجة للاستبداد والاستئثار والاحتكار، فلابد من افساح المجال للآخرين ومشاركة الشباب في بناء المجتمع والمؤسسات والحسينيات وتعزيز المشاركة في العمل الجماعي.
ولابد من التنازل عن النرجسية الذاتية ومقتضيات الذات والإحساس أن كل الحق لنا فالمؤمن متعاون ومتقي ويعزز روح المشاركة والمشاورة والتعاون حيث يفتح باب الآراء والاستماع وبحيث يكون أبناءنا أناس متطورين ومتقدمين في الحياة ويعزز فيهم هذه الخصال والصفات من أجل التعاون معا في هذه المؤسسات والمجتمع.
حاولنا أن نسلط الضوء على أهمية قيمة التعاون في حياتنا حتى نكون في مجتمع ناجح والخطوة الأولى نحو الأمان هي بناء الشراكات لعمل الخير مع الآخرين مع قبول الصعوبات حتى ننال الأشياء العظيمة.
نسأل الله أن يوفقنا في طريق الخير وأعمال الخير والبر والاحسان.
الأسئلة والأجوبة
طرحت مروة حسن/ كاتبة:
بناء الوعي عن طريق وسائط الإعلام، والمواد الإعلامية ومواقع التواصل الاجتماعي في ظل جائحة كرورنا ما مدى تأثيره على الإنسان.؟
فأجاب سماحة الشيخ معاش: وسائل التواصل الاجتماعية ووسائل الاعلام لها دور كبير في بناء الوعي الصحيح السليم أو في التضليل ومع الأسف الشديد نلاحظ وسائل التواصل الاجتماعي تمارس دورا سلبيا في عملية نشر الاحباط والسلبية بين الناس، وسائل الاعلام لها دور مهم جدا في بناء الوعي التعاوني ونقل الصور الايجابية إلى الناس واعطاء القوة النفسية ونقل الجوانب المفيدة، والتركيز على بناء القوة ومواجهة الأزمات وهذا دوركم في مواقع التواصل ووسائل الاعلام في نقل الصور الجيدة والأفكار الجيدة للوصول إلى نتائج جيدة في مواجهة جائحة كورونا.
وسألت زينب الحسيني/ باحثة اجتماعية:
بعض التجارب العلمية تنصح الانسان ذو الطاقة الايجابية أن يبتعد عن ذوي الطاقة السلبية لأنهم يستنزفونها وهذا تشجيع للتباعد وعدم التعاون مع الآخرين فما هو رأي سماحتكم بذلك؟
وكيف السبيل للتعامل مع الناس ذوي الطاقة السلبية دون أن يؤثر ذلك على الطرف الأول كي يتم التعاون بأفضل ما يكون؟؟
فقال معاش: شكرا لكم على السؤال اختلاف الطاقات بين الناس فهناك طاقة سلبية بين الناس واعتادوا على التفكير بسلبية نتيجة الظروف السلبية والأزمات، ويجهلون تحويل حياتهم من السلبية إلى الايجابية وانعزال الناس خطأ ولكن لابد للإنسان أن لاينحشر معهم بحيث يتأثر بسلبياتهم بل بالعكس يحولهم من السلبية إلى الايجابية وهذا العمل يحتاج إلى ترويض وبناء ونضج وحلم وصبر وتحمل ولاعنف، حتى يتمكن الإنسان من تحويل الطاقات السلبية إلى الطاقات الإيجابية، فالانعزال هو أيضا يكون طاقة سلبية وهو عمل شاق بحيث تكون أعمالنا وسلوكياتنا وأفكارنا تكون تعاونية مصدر لتعليم الناس لهذه الأفكار فالناس بطبعهم يحبون الخير والمشاركة والتعاون ولكنهم لم يروا تلك الأفكار بشكل جيد وإذا رأوها بشكل جيد شخصاً ستتحول لديهم الطاقة السلبية إلى ايجابية.
وسألت فاطمة مرتضى/ كاتبة وباحثة:
بالطبع عند التعاون الفكري والعملي في المشاريع الخيرية يحصل تضارب بالأفكار، عند التضارب ماذا يجب أن نعمل؟ هل التنازل هو الحل الوحيد؟ كيف أكون مؤثرة فكريا على المجتمع وفي نفس الوقت لا أكون أنانية؟
فبيّن معاش ذلك بقوله: التعاون يحتاج إلى أساليب ادارية ذكية ومنهج وبرنامج وقوانين إلى نوع من قواعد العمل الصالح التي ممكن يحصل تفاهم أو انسجام بين العمل ليتحقق التعاون، فقواعد العمل أو قواعد اللعبة كما يطلقون عليها، هذه نقاط مهمة في بناء التعاون الناجح عبر الحوار الفكري الهادف، ويحتاج إلى نوع من التنازل ليس بمعنى الاستسلام وإنما بمعنى الوصول إلى الحلول الوسطى وتحقيق الهدف الأهم وهو التعاون، فالإنسان لا يملكه تحقيق كل شيء، ولكن يمكنه تحقيق بعض الأشياء، ويمكن الوصول إلى رأي الأكثرية من خلال الشورى، وتضارب الأفكار لا يؤدي إلى الصراع والصدام وإنما تؤدي إلى تكاملها وتعاضدها للوصول إلى نتائج مشتركة.
كما وكانت مداخلة من زينب الحسيني: ألا يتعارض التعاون مع ما روي عن الامام علي (عليه السلام) في الحديث عن اعتزال الناس في آخر الزمان؟
أجاب معاش: اعتزال في مفهوم آخر غير الانفتاح على الناس والابتعاد عن الأشياء السلبية وقد يكون الاعتزال هو التعاضد على التعاون، والاعتزال عن القطيع السيء، "والحشر مع الناس عيد" فلابد أن ينفتح الانسان له طريقاً صحيحا سليماً في اطار وتوجيهات أهل البيت (عليهم السلام) هذا هو مفهوم الاعتزال وفي نفس الوقت لابد ينفتح الانسان على الآخرين للنصح والهداية "كنتم خير أمة اخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر"، فلو كان هناك مكان مملوء بالطاقة السلبية فلابد من الانسان أن يؤسس لبناء قائم على الخير والتعاون، ومثل اعتزال قضية جائحة كورورنا هذا جيد ليحمي نفسه عن المرض وكما يسمونه بالتباعد الاجتماعي فهذا مفهوم آخر، فلكل مفهوم له مقتضياته وشروطه ويتم مناقشته على حدة.
وفي مداخلة ثانية (المقصود منه هو عدم الذوبان مع الناس فلابد أن يعمل في الضوابط الشرعية الواردة عن المعصومين (عليهم السلام) فعن الامام علي بن موسى الرضا (عليه السلام) (يأتي على الناس زمان تكون العافية فيه عشرة أجزاء تسعة منها في اعتزال الناس وواحد في الصمت) فالعافية قد تكون هنا بمعنى هو الأمان والأمن.
وطرحت جنان الرويشدي/ مدرسة:
بالنسبة للمجتمع العراقي حاليا والعنف الأسري والمجتمع نرى القتل والاغتيالات للناس الطيبين المسلمين والمتعاونين، مما أدى إلى أنه الشباب انقلبت عندهم الموازين صاروا يشوفون التعاون والطيبة خطأ عليهم تجنبه، كيف نرد؟.
أجاب معاش: مع الأسف الشديد هذا من الاختيارات الخاطئة طريق العنف والاستبداد والقتل تكون عواقبه وخيمة (إن الله شديد العقاب) خارج سياق توجيهات أهل البيت (عليهم السلام) يدعون إلى العفو والتغاضي والتراحم والتعاطف واللاعنف والسلام، كل هذه الأعمال هي مسار أهل البيت (عليهم السلام) ولابد من التوضيح للناس للحث على التعامل مع الناس بالرحمة والتسامح والعطف، فسيرة أهل البيت الحقيقية من نماذج القصص والروايات، ونعطي للناس حقيقة مذهب أهل البيت (عليهم السلام) ونرجع إلى الآية القرآنية: (تَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ).
وفي الختام أبدت المشاركات مدى فائدتهن من مشاركتهن في الندوة الثقافية فإنّ التّعاون بين النّاس ضرورةٌ من ضروريّات الحياة، لا يمكن الاستغناء عنه، وإنّ الإنسان بطبيعته يحبّ الاجتماع، ولا يحبّ أن يبقى لوحده منفرداً، بل إنّ الإنسان بطبعه وبفطرته الّتي خلقه الله عليها، ميّالٌ إلى حبّ الاختلاط مع أبناء مجتمعه، فإنّ كلّ إنسانٍ محتاجٌ إلى الآخر في الكون، كي يقوى ويصلح، فلا بدّ من التّعاون بين جميع الأفراد فيما بينهم.
اضافةتعليق
التعليقات
2020-08-05