يُمكن أن نعرف المبادرة بأنها التقدم نحو الفرص بجدٍ، وتحويلها إلى عمل مثمر؛ فحتى من تَطرق الفرص بابه قد لا يبادر بفتح الباب فتضيع منه، فتذهب لطرق باب غيره!.
فلأصحاب روح المبادرة مستويان: الأدنى هو الذي ينتظر الفرصة تأتيه ليبادر بقبولها؛ والأعلى هو الذي يخلق فرصته بنفسه، أي هو يبادر بطرق الأبواب التي في داخله ليستخرج ثم يُقدم ما عنده، ولا ينتظر أن يأتي أحد ويقدمه، والمستوى الثاني هو الذي ينبغي أن يسعى كل إنسان إلى بلوغه، لكي يضمن استمراريته في تحقيق أهدافه؛ لأن الذي لا يُبادر لا يمكن أن يَصل لشيء في هذه الحياة، لا يمكنه أن يَعرف حدود إمكانياته، نقاط ضعفه، الزاوية التي تنقصه الخبرة فيها.
من مقومات تنمية روح المبادرة؟
من خلال معرفة الإنسان لقدراته ومواهبه عِبر البحث والإطلاع ثم التجربة، لتنمية هذه المواهب والقدرات ولو بالمستوى الأساسي الذي يكسبه الثقة بأن لديه شيء يستحق أن يتقدم به؛ فإن إمتلاك معرفة مبدئية تُعد عامل مُشجع على المبادرة للعمل حتى الوصول لدرجة الإبداع بأي مجال كان؛ لأن الطرف المقابل إذا لم يَجِد الثقة والحماس والرغبة في التطور عند المتقدم لن يقبله، أو يمنحه فرصة لخوض التجربة عنده.
روح المبادرة تشمل جوانب الحياة؟
إن كل شيء في الحياة وبشكل عام يحتاج إلى روح المبادرة، كما في [علاقة الإنسان بربه] ففي التوبة والرجوع إلى الله تعالى يحتاج إلى نفس تبادر بطرق باب ربها حتى تبلغ مرادها، فهناك من ينتظر الفرصة كما في قوله تعالى {فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ...}(الذاريات: 50)، هنا المبادرة بالفرار إلى الله تعالى بعد حصول الأمر الإلهي وعرض الطلب، فهو إما يبادر بالفرار بعد قبوله لهذه الحقيقة القرآنية، أو لا! ولكن هناك من يحمل روح المبادرة بالمستوى الاعلى- هو يبادر - كما في قوله تعالى: {وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ}(الصافات: 99).
وكذلك [الجانب الميداني العملي] كما في الأعمال التطوعية أو العمل في المؤسسات، التي تكون أعمال مشتركة، وهنا هذه الروح جدا مهمة لتطوير الأعمال وتنميتها وإنضاجها وتوسعتها كما في قوله تعالى: {وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى}(المائدة: 2)، فكم من فكرة كان بالإمكان أن تتحول إلى عمل مثمر، لكن صاحبها لا يملك كل الأدوات لتنفيذها أو تطويرها وبالمقابل هناك من رفاقه من يملك تلك الأدوات التي من خلالها يمكن إخراجها إلى الواقع بشكل جيد ونافع، لو أن صاحبها بادر بطرحها.
وفي [العلاقات الإنسانية] يترتب عليها أثر مهم في تعميق الترابط والتراحم كما في قوله تعالى: {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ...}(المؤمنون: 96)، فوجودها مؤثر في إشاعة روح المسامحة والألفة، عندما يبادر أحد الأطراف ولو كان الطرف الآخر هو المخطئ، فكم ستتقلص المشاحنات والنفور بين الناس؟ بل حتى على المستوى النفسي لصاحب روح المبادرة سيكسب آثار طيبة وسيعيش في سلام داخلي لأنه سعى لما فيه خير.
ذو الروح المبادرة رابح على كل حال
فإن بادر بالإعتذار ولم يُقابل بالإيجاب فهو رابح لأنه قد أخسأ شيطانه الذي نزغ بينه وبين أخيه، بالمقابل سيزيد تعالى من نور قلبه، ويرزقه شعور بالرضا والسكينة لأنه لا يحمل تجاه أحد سوءًا.
وإن بادر بطرح فكرة أو مشروع ولم يلاقي الدعم أو المساعدة أو حتى التشجيع فهو رابح، وعليه أن لا ينكسر بل عليه أن ينظر إلى الإحتمالات الممكنة الأخرى، مثلاً قد يكون الباب الذي طرقه ليس هو الأنفع له، فليطرق باب آخر، أو قد يكون تنبيه له لكي يوجد في نفسه بعض المؤهلات والإمكانيات التي كانت تنقصه، وأراد أن يستعن بغيره لكي يساعده في إتمام فكرته أو تنفيذها، فليوجدها في نفسه ولينفذ فكرته.
لذا التثقيف والتشجيع على وجود روح المبادرة في كل فرد في المجتمع، له دور كبير بإستخراج طاقات الأفراد لتطوير المجتمعات، وبناء الإنسان وتعمير البلدان.
اضافةتعليق
التعليقات