اليوم وبعد غياب دام أكثر من شهرين بسبب أوضاع وباء كورونا زرت جنة الله في أرضه، زرت سيد شباب أهل الجنة وباب الله الذي لا يرد، زرت المكان الذي لايقصده طالب حاجة إلا وقضيت حاجته.
أنا شخصيا أعشق هذا الحيز من العالم الذي هو بالنسبة لي الأمان والجو المليء روحانية والمقام الذي أشعر من خلاله بقربي إلى الله سبحانه وتعالى، نعم ذهبت بين الحرمين لأزور أبا عبدالله الحسين وأبا الفضل العباس عليهما السلام.
لا أحد ينكر جمال الريح العذب الذي يهب في ذلك المستقر المكرم في حضرة الامام المعظم وأخيه المفضل، وكل عين تشهد بجمال ذلك المنظر وبفخامة المكان وبروعة أجواء زيارة كربلاء.
بالعادة عند ذهابي إلى الزيارة وعند خروجي من البيت متوجهة إلى حرم أبي عبدالله الحسين وأخيه أبي الفضل العباس عليهما السلام تكون علامات الفرح والسرور واضحة على وجهي أستبق الوقت ودقات قلبي تتسارع فرحا كطفلة تريد الذهاب إلى حديقة الألعاب أو كعاشق يريد مقابلة عشيقه، هكذا هو شعوري، وكل من يمر بي يرى اشراقة وجهي للذهاب إلى حبيبي أبا الفضل وسيدي ومولاي الامام الحسين عليهما السلام.
اليوم وبينما أنا ذاهبة للزيارة انتابتني نفس مشاعر الفرح والسرور وكنت كفراشة تطير بين الحقول ولكن كلما اقتربت من مرقد الامام بدأ قلبي يعتصر شيئا فشيئا إلى أن أحسست بعبرة تشق صدري وتخرج منه منطلقة إلى العنان، اعتصر قلبي للهدوء الذي كان يعم المكان.
كانت كربلاء كمدينة مهجورة بلا ناس فقط أشباح، وحتى أعداد الناس المتناثرة كانت أجساد بلا أرواح، أين تلك الهمم، أين الأمل والبهجة التي كانت ترتسم على ملامح الزائرين، وجوه القاصدين إليك ياسيدي ومولاي اليوم مهمومة متعوبة يملؤها لوعة وخوف وأنين وشوق لغياب زائريك.
كانت المحلات مغلقة والشوارع فارغة والنافورات مطفئة تبكي بدون دموع وتنادي متى الفرج، ومنطقة بين الحرمين كصحراء جرداء بلا مشاعر تترقب يمين ويسارا بحثا عن أولئك الذين يفترشون أرضها لا يوجد انتعاش كل شئ ذابل وبلا معنى كل شئ يبكي ولا يوجد به طعم.
حتى شهر رمضان المبارك لم يأتي بين الحرمين لهذا العام اعتذر عن الحضور كما اعتذر زوار ابا عبدالله عليه السلام عن حضور زيارة الشعبانية وكما اعتذرت صلاة الجمعة من مصليها.
لم أسمع صدى صوت محافل القرآن في الحضرة المقدسة وكان المنبر مغلف بقطعة من قماش حزينة لأنه على ما يبدو منذ زمن موضوعة هنالك.. رأيت المنبر يشعر بخجل كبير لعدم صعود أحد لإلقاء المحاضرات وكأنه يقول لماذا أنا هنا؟.
كانت أرض الحرم عارية جرداء بدون غطاء تصرخ بصوت عال عندما تتذكر أقدام الأطفال وهي تركض عليها فرحة في كل عام من شهر رمضان، تتذكر المحافل والتجمعات النسائية التي تترأسها قارئة جيدة تقرأ الدعاء وترتل القرآن بصوت جميل عذب ويستمع إليها باقي النساء. وبدت كأنها تبكي عندما تذكرت إقامة الصلوات في كل فرض ووقوف المصلين وكأنهم في عرس إلهي.
واليوم هي مجردة حتى من الفراش بارد،. جلست وتأملت بدموع حزينة هذا المنظر وتذكرت نحن الآن ندخل في العشر الأواخر من شهر رمضان وهذه الأيام فيها ليالٍ عظام تقام في هذا المكان وهنّ ليال القدر وشهادة شيخ الأئمة وولي رسول الله وباب مدينة العلم البطل المقدام زوج البتول وابن عم الرسول وأبو الحسن والحسين الامام علي بن أبي طالب عليه السلام.
وبالتأكيد ضريح أمير المؤمنين يعتذر عن استقبال مواليه ومواسيه لهذا العام بسبب هذه الجائحة التي اجتاحت العالم وغيرت طقوسنا الكريمة وأجواءنا الجميلة، أجبرتنا الجلوس في البيت للحفاظ على صحتنا وصحة الآخرين.
هذا العام ياسيدي ومولاي جرحك سينزف مرتين، مرة على غدر ابن ملجم عليه اللعنة ومرة أخرى على جمرة قلوب شيعتك ومحبيك الذين لا يستطيعون الحضور إلى حضرة مقامك وإلى ولديك لمواساتهم بمصابك ولحضور حضرتك وإتمام آداب الزيارة والمواساة في حرمك.
إنه عام الحزن على شيعة أمير المؤمنين، ففي كل عام يطفئون لهيب جمر فقدان أمير المؤمنين بإقامة مراسيم العزاء ومواساة أهل البيت على هذا المصاب الجلل أما في هذا العام لا يستطيعون فعل شيء فللضرورة أحكام، لذا ستبقى نار فقدان أمير المؤمنين لهذا العام تأكل قلوب محبيه.
فاعذرنا يا إمامنا، اعذرنا يا أمير المؤمنين وسيد الخلق أجمعين، لن نستطيع الحضور ولن نقيم المآتم والنذور، سنلتزم البيوت إحياءً وتنفيذا لأمر الرسول صلى الله عليه وإله وسلم عندما قال: “إذا سمعتم بمرض بأرض فلا تدخلوا عليه وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا منها فرارًا منه".
وندعوك أن تكون وجيها لنا عند الله وتشفع لنا عنده سبحانه وتعالى ونسأل الله أن يفرج عن المسلمين وأن يزول هذا الوباء بعظمة هذه الأيام وحرمة شهر رمضان.
اضافةتعليق
التعليقات