نعيش هذه الأيام ذكرى ولادة خير خلق الله منقذ الانسانية وسيد الخلق اجمعين فقد اشرقت بهذه الأيام الشريفة شمس الهداية وازهرت نجوم السماء متغنية بولادة فجر جديد لمنقذ البشرية من العبيد أَبُو القَاسِم مُحَمَّد بنِ عَبد الله بنِ عَبدِ المُطَّلِب عليه الصلاة والسلام خاتم الانبياء وآخر المرسلين النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم).
في الوقت الذي يفترض أن نحتفل بولادته ونستذكر سيرته عليه الصلاة والسلام لنحتذي بها يمنعنا ذلك المطالبة بحقوقنا المسلوبة ويمنعنا الموت والدمار والقتل والدماء التي هدرت من أجل مطالبنا فقد غابت في هذا العام مراسيم الاحتفال بذكرى المولد النبوي الشريف بسبب الأوضاع الراهنة التي يعيشها الشعب العراقي، ففي ذكرى ولادة منقذ الانسانية النبي محمد (ص)، يباد المتظاهرين في العراق لكونهم يطالبون بحقوقهم المسلوبة ووقفوا بوجه الباطل لينطقوا كلمة الحق ويقتلون يوميا لكونهم قالوا للفساد توقف فقد انتهت صلاحيتك.
هنا تأخذنا هذه الأوضاع الراهنة إلى سؤال يتردد إلى أذهاننا لو كان الزمان مختلف والقائد غير القائد كيف ستكون النتيجة، فلو كانت هذه المظاهرات في زمن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وكان هو القائد فكيف ستكون معاملته مع المتظاهرين؟ كيف ستكون خطواته كقائد؟
إن رسولنا الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) رجل سياسي وعسكري أيضاً، وبلغ عليه الصلاة والسلام القمة في التفكير السياسي والاجتماعي والإداري فكانت دعوته صلى الله عليه وآله وسلم من أقوى الدعوات السماوية لأنها دخلت إلى القلوب قبل العقول واقنعت العقول قبل القلوب.
لقد كان القرآنُ الكريم الموجه الأولَ لقائد الأمة الإسلامية مُحمد – صلى الله عليه وآله وسلم - فهو القُدوة الحسنة في القيادة وفن التعامل، والقرآن الكريم فيه الكثير من الآيات التي توجه الرسول في مختلف أمور الحياة؛ ومن التوجيهات الإلهية للرسول - عليه الصَّلاة والسَّلام قوله تعالى - :﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ﴾ آل عمران: 159.
فقد أدهش رسول الله صلى الله عليه وآله سلم العالمَ في تعامله مع أعدائه وهو متمكّن منهم، فلم يظهر في التاريخ أرحم منه مع أعدائه رغم ما كان يلاقيه منهم من الأذى؛ إلا أنه كان مثالا للأخلاق الحسنة متمثلا لشعار العفو عند المقدرة. وعلى الرغم من الأذى الشديد الذي تعرض له النبي عليه الصلاة والسلام والمسلمون من زعماء قريش وكبرائها، وقف النبي عليه الصلاة والسلام يوم فتح مكة ليخاطب زعماء الكفر بكلمات العفو والصفح حينما قال (يا معشر قريش ما ترون أني فاعل بكم؟) قالوا: خيراً أخ كريم وابن أخ كريم قال: (اذهبوا فأنتم الطلقاء) فعفا عنهم بعد أن أمكنه الله تعالى منهم، فضرب بذلك المثل في تعامله - صلى الله عليه وآله سلم - في العفو والصفح على الجناة بعد القدرة عليهم والتمكن منهم.
وفي معركة بدر عندما أسر المسلمون سبعين رجلاً من المشركين قال النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - لأصحابه: (استوصوا بالأسارى خيراً) فانظر إلى هذا التعامل مع أعداء محاربين يريدون أن يقضوا على الإسلام والمسلمين ويقول للصحابة: (استوصوا بالأسارى خيراً).
هذه الصور البليغة في طريقة تعامل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مع أعدائه تدل على رحمته صلى الله عليه وآله وخلقه فقد قال تعالى: "وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ" (الأنبياء: 107). فلم ينقض وفاؤه ولم تتخلف رحمته حتى مع أعدائه الذين آذوه وحاربوه، وبذلوا غاية جهدهم للقضاء على دينه ودعوته، وكادوا له ولصحابته، والسيرة النبوية المشرفة بما فيها من غزوات وأحداث مليئة بالمواقف المضيئة الدالة على ذلك.
إن مثل هذه الشخصية العظيمة كيف سيتعامل مع من يطالب بحقه؟ ولكن من يخرج متظاهرا على قائد كرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟ من يستطيع الخروج متظاهراً على قائد سياسي مثل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الذي نجح في قيادة الأمة الإسلامية إلى ما فيه خيرها وصلاحها في الدنيا والآخرة بما توفر في شخصه من الصفات القيادية، والشمائل والأخلاق الكريمة التي أهلته لأن يكون مثالاً ونموذجاً كاملاً في القيادة الحكيمة الناجحة القادرة على السير بالأمة لتحقيق الأهداف والغايات التي جاءت من أجلها رسالة الإسلام.
فلو كان القادة في الحكومات المعاصرة يتصفون بأخلاق رسول الله صلى الله عليه وآله ووضعوا خارطة طريق لهم في الحكم كما وضعها رسول الله (ص) وجعلوا منهاج رسول الله في قيادة الأمة نبراساً لقيادتهم وابتعدوا عن المحاصصات والمقاسمات والفساد لما وصلت الأمور إلى هذا الطريق المسدود الذي لا عودة منه ولما وصل بنا الحال بالنوم على أرصفة الشوارع للمطالبة بحقوقنا واختيار الموت بدم بارد على العيش الذليل.
اجعلوا رسول الله صلى الله عليه وآله نبراساً لطريقكم وتعلموا منه مهارات صناعة القيادة، سيروا على نهج رسولكم الأعظم، تعلموا تحقيق الأهداف بنجاح والمحافظة على الوحدة وتماسك الجماعة، تعلموا منه (ص) عدم الاستخفاف بالرعية لأنه سبب للاستبداد، كما يحدث الآن واستخفاف الحكومة بمطاليب الشعب وعدم عير الاهتمام للتضحيات التي يقدموها من تحقيق مطالبهم. وسيروا وفق قوله سبحانه وتعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ﴾ النساء: 58.
اضافةتعليق
التعليقات