من الصعب أن يكون البلد الذي تعيش فيه بلد فقير فرضت عليه الدول الأخرى ضرائب وفوائد، ولا تعرف أين صرفت هذه الأموال، وفي الوقت نفسه يعتبر بلدك غني بالموارد الطبيعية التي تغنيه عن القروض لو استخدمها الحاكم بطريقة صحيحة بعيدا عن الصراعات والتقسيم، وانتعاش الاقتصاد في البلاد كما كانت في السابق.
في عهد الامام علي (عليه السلام) حيث لم تكن تلك الامكانيات من الآليات والمواد التي تستخدم الآن لكن البلاد كانت تعيش في حالة انتعاش اقتصادي، وكان أساس بناء الدولة على اختيار الرجل المناسب في المكان المناسب حتى لا يفسد أو يسرق، لذلك نجد الحكومة الوحيدة التي خلت من الفساد الاداري والمالي كانت حكومة الامام علي (عليه السلام)، فلم يكن هناك فقير من المسلمين أو غيرهم، حتى تساوى في تقسيم الأموال بين الرعية، ويعيش الفقير بكرامة في ظل حكومة اسلامية رشيدة.
الأساس المالي في حكومة الامام علي
عيّن الإمام (عليه السلام) عامر بن النباح أميناً لبيت المال في الكوفة وكان مؤذن لأمير المؤمنين (صلوات الله عليه) وقد جاء ابن النباح يوماً إلى أمير المؤمنين وقال: امتلأ بيت المال من الصفراء والبيضاء، فقال الامام (صلوات الله عليه): الله أكبر، ثم أمر بتوزيع الأموال على أتباع عاصمة الدولة الاسلامية في الكوفة وهو يقول (يا صَفراءُ! وَيا بيضاءُ! غُرِّي غَيْري) ولم يبق دينار في بيت المال وصلى كعادته ركعتين لله بعد أن يفرغ بيت المال.
ومن مظاهر الانتعاش الاقتصادي:
1 - عمران الأرض..
2ـ إنشاء المشاريع الزراعية، والعمل على زيادة الإنتاج الزراعي الذي كان من أصول الاقتصاد العام في تلك العصور.
وقد أكد الإمام (عليه السلام) في عهده لمالك الأشتر على رعاية إصلاح الأرض قبل أخذ الخراج منها، فيقول (عليه السلام): (وليكُن نظرك في عِمارة الأرض أبلغ من نظرك في استجلاب الخراج، لأن ذلك لا يُدرك إلا بالعمارة، ومن طلب الخراج بغير عمارة أخرب البلاد وأهلك العباد، ولم يستقم أمره إلا قليلاً)، وفي حديث: (إن معايش الخلق خمسة: الإمارة، والعمارة، والتجارة، والإجارة، والصدقات إلى أن قال وأما وجه العمارة فقوله تعالى: (هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها) فأعلمنا سبحانه أنه قد أمرهم بالعمارة فيكون ذلك سبباً لمعايشهم بما يخرج من الأرض من الحب والثمرات، وما شاكل ذلك، مما جعله الله معايش للخلق).
وفي قصة أخرى أنه كان يعمل بيده ويجاهد في سبيل الله، فيأخذ فيه، ولقد كان يرى ومعه القطار من الإبل وعليه النوى، فيقال له: ما هذا يا أبا الحسن؟ فيقول: نخل إن شاء الله، فيغرسها فما يغادر من واحدة.
الخراج في عهد الامام علي
قال عليه السلام: ((وتفقد أمر الخراج بما يصلح أهله, فإن في صلاحه وصلاحهم صلاحاً لمن سواهم, ولا صلاح لمن سواهم إلا بهم لأن الناس كلهم عيال على الخراج وأهله الحياة الاقتصادية للأمة في تلك العصور منوط بالخراج الذي تأخذه الدولة من المزارعين, وقد أمر بتفقده وتفقدهم رعاية للمصلحة العامة)).
وصيته بالمزارعين: اهتم الإمام بالمزارعين فأوصى برعايتهم والعناية بهم, وتصديقهم فيما يقولون في شأن الخراج, وإقصاء كل لون من ألوان الضغط عنهم, وهذا قوله: قال عليه السلام: ((فإن شكوا – أي المزارعون – ثقلة, أو علة, أو انقطاع شرب أو بالة أو إحالة أرض اغتمرها غرف, أو أجحف بها عطش خففت عنهم بما ترجو أن يصلح به أمرهم, ولا يثقلن عليك شيء خففت به المؤونة عنهم, فإنه ذخر يعودون به عليك في عمارة بلادك وتزيين ولايتك مع استجلابك حسن ثنائهم, وتبجحك باستفاضة العدل فيهم معتمد أفضل قوتهم بما ذخرت عندهم من إجحامك لهم, والثقة منهم بما عودتهم من عدلك عليهم في رفقك بهم, فربما حدث من الأمور ما إذا عولت فيه عليهم من بعد ما احتملوه طيبة أنفسهم فإن العمران محتمل ما حملته, وإنما يؤتى خراب الأرض من أعواز أهلها, وإنما يعوز أهلها لاشراف أنفس الولاة على الجمع – أي جمع الأموال وسوء ظنهم بالبقاء, وقلة انتفاعهم بالعبر..)).
حكى هذا المقطع مدى اهتمام الإمام بتنمية الاقتصاد القومي الذي يمثله قطاع الفلاحين فقد أوصى بعمارة الأرض, وتوفير ما تحتاجه من المياه, وإصلاحها فيما إذا غمرتها المياه وغير ذلك من وسائل الإصلاح, وقد فقد المسلمون هذه الرعاية أيام الحكم الأموي والعباسي, فقد شكا والي مصر إلى عاهل الشام سوء حالة المزارعين وتخفيف الخراج عنهم فكتب إليه بعد التأنيب:
((احلب الدر فإذا انقطع فاحلب الدم)) وقد اضطر المزارعون إلى هجر مزارعهم فراراً من ظلم الولاة وجورهم كما حكى هذا المقطع البر بالمزارعين والإحسان إليهم, ومراعاة حياتهم الاقتصادية بما لم يألفوا مثله في الحكومات السابقة.
التجارة والموارد
((وأعلم مع ذلك أن في كثير منهم ضيقاً فاحشاً, وشحاً كبيراً واحتكاراً للمنافع وتحكماً في البياعات, وذلك باب مفرة للعامة, وعيب على الولاة, فامنع من الاحتكار فإن رسول الله صلى الله عليه وآله منع عنه, وليكن البيع بيعاً سمحاً لا تجحف بالفريقين من البائع والمبتاع – المشتري – فمن فارق حكرة بعد نهيك إياه فنكل به, وعاقبه في غير إسراف..)).
هذه رسالة الامام إلى التجار ليعرّفهم ضرورة مساعدة الناس وعدم احتكار البضاعات حتى ينتعش الاقتصاد ويعيش الجميع في الخير.
اضافةتعليق
التعليقات