بعد عام 2003 أصبح هناك مناخاً مميزاً يحيط بعمل المرأة العراقية في ميدان الصحافة، إلا إنه كان تحديا صعبا قررت الدخول في معتركه والخوض في تفاصيله، اقتحمته بقوة فكتبت اسمها على جدار الابداع، وسجلت سفرها الخالد في أحيان أخرى لتروي شمائله بالدم في غاية هي الأسمى، اظهار الحقيقة واثبات كيانها.
إلا إننا وحين نقلب أوراق الزمن ونبحث في تاريخ الثقافة الذكورية التي تحكم المجتمع، ونلقي نظرة على تعاقب الدورات الانتخابية للأسرة الصحفية، نشاهد تضاءل رصيد المرأة وإن هذا التضاؤل والتجاهل وصل إلى أسوء حالاته، فالتمثيل في النقابة المركزية خجول للغاية إذ إن النقابة تمثل النخبة من المثقفين أصحاب الفكر الحر والمتقدم لمحافظات العراق كافة، يكون رصيد المرأة من العضوية مقعد واحد؟!.
وإن الذكور الذين طالما قاتلوا بقلمهم بمواضيع ملتهبة حول حقوق المرأة وتكافؤ الفرص والخبرة والمساواة والحرية وغيرها، وعندما حانت الفرصة ليترجموا ما كتبوه عادوا إلى ذكورتهم وصوتوا لزملائهم وتركوها بحيرة وذهول مما حصل.
وإن الهيئة العامة لنقابة الصحفيين العراقيين والمعنيين بالتصويت وأولي الأمر من رؤساء الفروع الأبطال استخفوا وكعادة الرجال الشرقيين بمن كن زميلاتهم في ساحات القتال حيث يمتزج الدم والحبر معا ولن تفرق الرصاصات حينها بين رجل وامرأة، إلا إن عقولهم فرقت لتتخلى عن كل المجتمع وتبقى الصحافة في العراق مهنة الذكور.
الصحافة النسوية
يجد البعض أن هناك اشكالا في تسمية أو تخصص الصحافة بنوع محدد؛ النسوية مثلا، إذ يعدون الأخيرة تمييز ضد النوع الاجتماعي مع البدء باظهار اخفاقاتها أو عثراتها أثناء محاولة النهوض بالواقع من قبل أقرانها من الرجال والنساء حتى.
إلا أن الصحفية أسماء محمد مصطفى تجد "الصحافة النسوية تكرس مفهومها على أنها المتخصصة بقضايا المرأة والأسرة وشؤونها، والحريصة على رفع مستوى الوعي بها سواء أكتبت فيها المرأة أم الرجل، مع الأخذ بنظر الاعتبار أن المرأة الصحفية تكتب في مجالات متنوعة وعامة ولا تحصر قلمها بقضايا المرأة فقط".
ولكن على الرغم من ذلك تحتاج الصحافة النسوية حاليا إلى التركيز على الأهم الذي تحتاجه المرأة العصرية لمواكبة القفزات العلمية والثقافية، لذلك تؤكد مصطفى على "ضرورة تثقيفها قانونيا وتعريفها بحقوقها وحقوق أسرتها، والدخول إلى عوالم النساء المعنفات والمهمشات بشكل أكثر وأعمق واجراء استبيانات علمية عن قضايا مهمة تعنيها، وتقديمها في ملفات ترفع إلى الجهات المعنية في محاولة ليكون للصحافة النسوية دورها في صياغة القرارات".
بالقلم العريض
جرأة وموضوعية ومهنية ركائز للصحافة عموما وللنسوية بالتحديد، فالخروج عن المألوف وتناول الجوانب المغطاة في المجتمع تحقق قفزة في حلول لتلك المشاكل أو المعاناة، في الوقت الذي تسهم في رفع مستوى عمل المرأة الصحفي وجعله ذو جدوى وهدف لابد من تحقيقة، وأن لا تكون نسخة لذلك الذكر الذي ينافسها على مكانتها.
هنا بينت مصطفى أن "هناك حاجة ماسة إلى المزيد من الجرأة في الطرح وطرق موضوعات حساسة جدا ولكن التطرق إليها مطلوب جدا بوضوح وبالقلم العريض وبموضوعية ومهنية، وإن كان ذلك قد يتسبب بإثارة لغط أو غضب من فئات في المجتمع والتي لاتتقبل كسر القوالب أو الأفكار النمطية، ومع ذلك فإن تنشيط الصحافة بالمسكوت عنه مطلوب كي تكون الصحافة النسوية مؤثرة أكثر في الرأي العام".
وتوضح أن "الصحافة عموما تراجعت بصفتها سلطة رابعة، بسبب الظروف المعروفة، ولكن لابد من المحاولة كي يعاد إليها البهاء، إلى جانب ذلك ثمة مواقع ومجلات الكترونية عراقية ظهرت في السنوات الأخيرة لتتخصص بموضوعات المرأة ولكنها قليلة.
إذ لاتزال المرأة داخل ذلك الصندوق الأسود الذي وضعت فيه من قبل من يريد لها التخلف دائما، وحاول أن يرسم لها صورة نمطية لاتنسجم مع التقدم الحاصل في العالم ومع ماهو مطلوب لتعزيز مكانتها الإنسانية وصورتها الحقيقية".
النوع لا الكم
إذا ما راجعنا الاحصائيات خلال 15 عام الماضية نجد أرقاما تشير إلى كثرة الصحفيات لكن في الغالب هي مجرد مؤشرات على عدد تضاعف، الصحفية منار عبد الأمير واحدة من اللاتي يؤمن بنظرية النوع لا الكم.
أشارت في حديثها إلى أن "فتح مئات المؤسسات الاعلامية خلال تلك الفترة منها لأغراض اعلامية وأخرى لتنفيذ أجندة معينة ومع غياب التنظيم الحقيقي لمهنة الصحافة في العراق أصبحت مهنة في متناول الجميع، وبمنتهى البساطة أن تقول فلانة عن نفسها صحفية أو اعلامية أو مصورة وهكذا".
ولربما الجرأة التي تمنتها أسماء محمد مصطفى تحققت عندما قالت عبد الأمير: "هناك نخبة من الصحفيات العراقيات اللواتي صنعن لأنفسهن سمعة وخبرة واسم صحفي على مستوى الوطن العربي والعالم، عملن بمهنية ومصداقية وأثرن كثيرا في الرأي العام بشجاعة وجرأة كبيرة، لكن للأسف لايوجد هناك اهتمام فعلي وواقعي بجهودهن وغالبا ما تظهر هناك من اتخذت الصحافة وسيلة للوصول إلى مكاسب مالية أو مناصب على حساب غيرها.
الصحفية هي من تعمل وتؤثر في الميدان، ولايهم المناصب التي تشغلها بقدر مايقرأ الناس نتاجها الصحفي، هناك تحديات كبيرة تواجه الصحفيات" الحقيقيات" أغلبها تتعلق بفرص العمل والدعم ونظرة المجتمع في بعض المناطق أصبحت مهنة متاحة للجميع ولو كان ذلك على حساب سمعة الصحافة العراقية".
وتستطرد عبد الأمير بالقول "وكحال الدولة العراقية ووجود الكثير من الطارئين فهناك طارئات ودخيلات على الصحافة تسببن كثيرا بالاساءة إلى سمعة الصحافة العراقية النسوية، من ناحية التأثير الصحفيات الحقيقيات أنجزن الكثير من المواد الصحفية الرصينة ومازلن يناضلن من أجل الكلمة الحرة".
أسباب ذاتية
"في الغالب تواجه صعوبة في قيادة الرأي العام اجتماعيا وسياسيا كون أن مجتمعنا ذات طابع ذكوري يرفض أن يعطي دورا قياديا للمرأة"، بهذه العبارة استهل عضو الهيئة الادارية لمركز المرأة ومدير الاعلام في جامعة بابل الأستاذ قاسم السعدي حديثه، وأضاف" هناك أسباب تتعلق بالمرأة نفسها سواء الطرف الاخر من النساء الذي يشعر بنوع من الحسد والغيرة تجاه أي أخرى تحاول الظهور اعلاميا وقيادة الرأي العام، فضلا عن الصحفية عندما لا تكون مؤمنة بقدراتها على التغير أو قد تكون غير جادة فعلا.
ناهيك عن أنها جزء من منظومة اعلامية تعاني الكثير من التحديات فالرجل الصحفي مع ذكورية المجتمع صعب أن يكون قيادي للرأي العام بسبب التحديات السياسية والأمنية بالاضافة إلى قوانين الاعلام الهزيلة التي لا تحميه أو لا توفر له الضمانات اللازمة لممارسة مهنته بكل حرية لجعله مؤثرا في صناعة الرأي العام فما بالك بالمرأة.. وهناك محاولات من اعلاميات عراقيات ربما حققت نوع من التأثير البسيط في الرأي العام ونسبة مشاهدة عالية".
ديكور
أسباب ينقلها من معايشته لواقع المرأة الصحفية، رئيس منظمة ايجاب الدكتور رياض الزبيدي يجمل أسباب عدة من بينها "أولا: هيمنة الرجل على المؤسسات الاعلامية والصحفية واعطاء المرأة دور الواجهة أو الديكور فقط.
ثانيا: عدم مواكبة تلك المؤسسات للتطورات وغياب التدريب المستمر، لترتقي إلى مستوى عال من المهنية قادر على المنافسة على الأقل اقليميا.
وبالرغم من ذلك توجد محاولات وحراك نسوي لمجموعة من الصحفيات لاثبات الدور الفاعل للمرأة الصحفية.. فقبل أيام عقد منتدى الاعلاميات العراقيات مؤتمر في بغداد ضم عدد من الاعلاميات العربيات. وهو ما يعد نقطة تحول ايجابية على صعيد العمل الصحفي النسوي".
ولتحقيق طموحها تحتاج إلى ثقة المجتمع بها والتي مازالت تفتقر إليها أغلب الصحفيات العراقيات رغم عدم مبارحة أماكنهن حين اضطر العديد من الصحفيين إلى المغادرة؛ بسبب أحداث العنف التي عصفت بالعراق إذ ناضلن وتحدين الخوف وتعرضن للأذى والتهديد والقتل.
عدوية الهلالي صحفية ذات سيرة حافلة بالانجازات والعطاءات أكدت أن "الصحفية العراقية تستحق أن تأخذ مكانتها الحقيقية وأن تتلقى الدعم والتحفيز بدلا من منافستها من قبل العقلية الذكورية الشرقية، حين تتبوأ مراكزا هامة إذ يتم تهميشها أحيانا، ولاتجد حاليا من يتبنى مشاكلها بعد الغاء وزارة المرأة وضعف دور رابطة المرأة التابعة لنقابة الصحفيين في تلبية مطالب المراة الصحفية؛ وحاجاتها الأساسية باقامة دورات تدريبية وورش الزامية لمساعدة غير القادرات على دخول دورات خاصة على مواكبة التطور المعرفي والتكنولوجي لاحقيتها المبدعة والشجاعة في نيل حقوقها كاملة ماديا ومعنويا".
اضافةتعليق
التعليقات