لقد فقدنا شخصا واحدا، لماذا يبدو العالم فارغا هكذا؟
نسيت أن أخبرك، الأمس قبل أن أستيقظ بأن الأمر كله كان مزحة، لم يحدث أبدا أن تلونت الحياة في غيابك لم يحدث ذلك أبدا ولم يحدث أن حزنت ذلك الحزن على غائب من قبل أو بعد، كل من مروا في منامي كانوا سرابا إلا أنت كانت رائحتك تسبقك وتملأ المكان كعبق الياسمين بل إن صوتك في وقتها كان رئة ثالثة أتنفس بها وقلبا ثانيا ينبض بي وأنا أغرق في تفاصيلك في كل تلك المرات وأود لو أن المنام يطول لاحتضنك حد ذوبان الشوق ولن يذوب لأنني اشتقت إليك كثيرا ياجدي..
أصبحت لا أحب شيئا كاملا قط، دائما أترك مسافة بيني وبين الآخرين مهما كان قربهم لأنني أدركت لوعة الوداع وألم الفراق حين فارقتنا وأدركت أن الفراق مراحل يبدأ بأول لوعة ثم ينتهي بصمت تام، حينما نصل هذه المرحلة ندرك أننا بتنا أجسادا بأجزاء من الروح، كل جزء يذهب مع عزيز كما أبصرت ذلك بعين أمي حين غادرت أنت، كادت تغادر روحها بعدها غادر آخر فبكت بحرقة ثم آخر.
صرخت من القلب والبرود استأصل جزءا كبيرا منها وسكنها الهدوء بعدها فاعتادت الرحيل، ثم تمر الأيام ونتناسى لكن تبقى الذكرى قابعة بالأعماق..
نسيت أن أخبرك ياجدي أنني كبرت كثيرا وأدركت كثيرا حتى بت أقرأ عيني ابنتيك وقلبي يحترق قبلهن وعيني تبتسم لعلي أنتشل ما في الأعماق لكن لم أستطع ان أبتسامة عينيك التي تنقذ الغريق من عمق المياه وترويه الحياة في عمق الأسى وإني أدرك أن فراغ الروح لايملأه العالم بأسره وأنت كنت الروح فكيف نملأ أنفسنا، ماضرك لو برأفة في رؤياك ترد الروح باللهفة ويستمر الشوق بلا نهاية وربما اللقاء هو النهاية.
كم هو الأمر مؤلم بشكل مضحك حينما تخسر الأشخاص فتظن أنك تستطيع البعد ثم تدرك بعدها أنك مازلت عالقا بتلك اللحظة، الغصة والنظرة الأخيرة ثم نندم قائلين، ماذا لو أنه لم يحدث ماحدث، ماذا لو كانت آخر لحظاتنا بقربهم وأن الأمس كان مخصصا لهم لنشبع أعيننا وأرواحنا من كل تفاصيلهم لنحفظ آخر كلماتهم ونقصها على أنفسنا كل يوم.
ونبقى نقول (ماذا لو) دون فائدة والأسوء أننا مازلنا على نفس حالنا لم نتغير ولم نحتضن كل من فينا وكأننا ضمنّا وجوده غدا، والحقيقة لاضمان لكننا لاندرك قيمة الأشياء إلا بعد فقدها، في حين أنه يجب أن نخبر من نحبهم يوميا أننا نحبهم وأنهم أنفاسنا فلربما غدا لن يكونوا بجانبنا أو أننا الذين سنغادر، فيبقى عطرنا وكلماتنا الجميلة هي آخر ماسمعته اذانهم وحفظته أذهانهم. فلماذا لانكون وردا ينشر جماله في وجوده وحتى بعد الغياب يبث عطره، لماذا نحن نبتعد عن السعادة كل هذا البعد ونحتضن لحظات الحزن بشكل مبالغ به ونحن حتما ندرك أن الأمس رحل والغد غير مضمون، لماذا كل هذا التعصب على أنفسنا بينما نحن نستطيع أن نجعل كل يوم عيد ونترك للعام يوم للأسى وهو الرحيل.
أما نحن وربما هم فلا صحة للمقولة التي تنص أن (الألم والمعاناة لاسبيل للخلاص منها، ومن يجد سبيلا فاعلم حينها أنه قد مات)، تلك مقولة كاذبة فالخلاص قابع فينا ونحن من نجعل منه أياما ونحن من نضمر الشعور به لساعات أو دقائق ونترك كل شيء بداخلنا يترجم على شكل صداع بينما كان يجب أن يترجم بشكل سعادة متناسين أن لحظات الود لها علينا ألف حق وحق فقط علينا أن نعي أن الحياة جميلة.
الأوقاتُ السعيدة كثيرةٌ جدًّا، وما هو آتٍ لك في الأيام القادمةِ أفضلُ ممَّا مضى، وأكثر رخاءً وتوفيقًا. السعادة قابعة في أعماقنا ونحن من نستطيع أن نجعلها تنتشر ونحن من يركن نفسه بالزاوية منتظرا من الله أن يخرجه من حزنه دون أن يفعل شيئا، فقط تحرك وسترى كم أن الله يبث فيك الحياة بشكل لايوصف فإن دعوتَه أجابك، وإن سألتَه أعطاك، وإن استجرتَ به أجارك، وإن استعَذْتَ به أعاذك؛ كريمٌ يستحي إذا رفعتَ إليه يديك أنْ يردَّهما خائبتينِ فقط قل: (ياالله أناجيك بقلب أيوب ولست ببالغ صبره.. لكنني أناجيك).
اضافةتعليق
التعليقات