الضمير.. ذلك الشيء المكنون المخزون في غياهب الظلام الذي يشع نورا عند اخراجه ليملأ الدنيا، ذلك المستتر الذي يظهر عند المحك، عندما يتشبث الحق بآخر قشة، ويتمسك بآخر طوق نجاة في بحر الباطل.
من منا لم يودعه الله سبحانه ضميرا حيا صارخا ضاجا، إن أولئك الذين أناموا ضمائرهم تحت تأثير المهدئات والمخدرات من علل وأعذار ولهاث وراء دنيا فارغة، وأولئك الذين اماتوه بجرعة زائدة من اللامبالاة، إنما ينقضون ما عاهدوا الله عليه ويقطعون حبائل الوصل الالهي، في وأدهم لهذا الكائن الحي وما أكثرهم في هذا الزمان.
فالأم التي لا تراعي الضمير في تربية أولادها، والمعلم الذي لا يخاف الله سبحانه في مسيرته التعليمية، الموظف إذا غاب عنه مديره.. وكل فرد لا يوقد شعلة الضمير، إنما يدخلون في أنفاق مدلهمة يصعب الخروج منها.
ومن أراد أن ينعش ضميره ويعيد الحياة له قبل فوات الأوان ما عليه إلا أن يستشعر رقابة المولى عز وجل في كافة حركاته وسكناته، أقواله وأفعاله، أن يعيد ترتيب المشاهد واخراجها قبل تنفيذها، فقبل أن تمد يدك على زوجتك أو ترفع صوتك على أمك وأبيك، فمن الأفضل أن تلجم غضبك بتذكر سطوة الله وجبروته وقدرته، وأن تفعّل دور الرقيب الداخلي ألا وهو الضمير ولا تحاول إقصاءه وتغييب دوره البارز في أحداث الحياة ومجرياتها.
وبهذا لن تتغير تصرفاتك بوجود الناس أو عدم وجودهم وستكون أعمالك وأورادك ورداً واحداً وحالك في خدمة المولى سرمداً.
إننا بأمس الحاجة اليوم إلى وازع داخلي يرمم أخطاءنا ويصلح ما أفسدته أعمالنا، نحن بحاجة ملحة إلى نهضة كبرى على صعيد الضمائر وربيع نفسي وثورة عارمة لنيل حريتنا من تسلط الشيطان والنفس الأمارة بالسوء.
ثورة تهتف بها ضمائرنا أن نكون أحراراً في هذه الدنيا كما دعانا النبي صلى الله عليه وأله وأهل بيته الكرام، حرية لا نكون فيها عبيدا سوى لإله واحد أحد فرد صمد، أراد لنا أن نفوز فوزاً عظيما ونتخلص من شهوات الدنيا الدنية من حب للجاه والرفعة ومن أمراض النفوس من أنا وتكبر ونفاق وكذب وغيرها..
فما أجمل الصورة وما أبهاها عندما تجول بعينيك وترى الضمائر الحية تتنفس، فتشاهد العامل والمهندس والطبيب والتلاميذ كل قد علم صلاته وتسبيحه ووظيفته التي يؤديها بدافع المسؤولية، غير آبه بأقوال الناس وفعالهم، فضميره يملي عليه ما يجب أن يفعل وما يجب أن يترك.
وكما قال تعالى في محكم كتابه الكريم: (تلك الدار الاخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا والعاقبة للمتقين).
اضافةتعليق
التعليقات