كان من رأي الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) كغيره من المسلمين أن الإنسان خُلق من تراب ولكن التوضيح الذي أتى به لم يقل به غيره من المسلمين لا قبله ولا بعده في العصور المتعقبة ولم يقم أحدهم بشرح أفكار الإمام الصادق (عليه السلام) بشأن الكيان البشري ومصدر كل حاسب وخواصها فإن وجدنا شرحا في العصور التالية للإمام فهو من صنع تلاميذه أو رواد مدرسته.
يقول الإمام الصادق (عليه السلام) أن جسم الإنسان يتألف من نفس العناصر الموجودة في الأرض ولكن بنسب متفاوتة فهناك عناصر توجد في جسم الإنسان بنسبة أكبر من نسبة وجودها في الأرض وهناك عناصر أخرى توجد بنسبة أقل منها كما كان يقول أن هناك أربعة أشياء توجد في جسم الإنسان بصورة أكبر من سواها كما أن هناك ثمانية أشياء تأتي في مرحلة ثانية؛ وثمانية أشياء هي أقل مما في القسمين الأولين ولا ريب في أن هذه النظرية غريبة وبعيدة عن فهم الإنسان في عصرنا الحاضر وأن المرء ليتساءل تلقائها هنا هل كان الإمام الصادق له علم باطني غيبي كما تقول الشيعة وهل استنبط هذه النظرية بعلم الإمام بدون علم البشري.
وفي رأينا أن من العسير التوصل إلى مثل هذه الحقائق العلمية دون مختبرات علمية عصرية ولكن هذا هو ما تناهى إليه علم الصادق قبل 12 قرنا ولا غرور فالعباقرة اقدر من سواهم على استنباط ما تعجز عنه العقول لأن عيونهم تخترق الظلمات وترى ما لا يراه غيرهم من المصرين.
وثم النظرية مؤداها أن المعارف والمعلومات كاملة في الشعور الباطنية للناس جميعا ولكن هناك حجاب يحول دون ادراك الشعور الظاهري لما هو كامن في الشعور الباطني غير المحدود فإن استاصل على الإنسان العادي أن ينتفع بهذه الذخيرة المدخرة في باطنه فإن العباقرة قادرون على النفاذ إلى الباطن واستنباط ما هو مدخر فيه من معلومات ومعارف كاملة وقد ذهب الفيلسوف هنري بروجسون إلى القول بأنه كما أن الذرة وجدت منذ بدء الخليقة واجتمعت فيها جميع المعلومات المختلفة فإن خلايا الجسم الموجودة في الكائن الحي احرى بها أن تنطوي على جميع المعلومات الخاصة بهذا العالم منذ بداية الخليقة وإلى يومنا هذا وإذا كان العلماء قد اطلقوا على الإحساس الداخلي إسم الشعور الباطني أو الغيبي فان الفيلسوف برجسون قد سماه اندفاعة الحياة.
وكان يقول ان الناظر يتميزون عن غيرهم بأن لهم حظا من دفاعة الحياة تزيد على حظوظ غيرهم وانهم اقدم من سواهم على الإستفادة من ذاكرة خلايا أجسامهم ففي رأي الشيعة أن الامام الصادق (عليه السلام) كان يرى بعلم الإمامة اما القائلون بالشعور الباطني غير المحدود فيقولون أنه اندفع بهذا الشعور في حين ان برجسون يرى أن الصادق كان يتمتع بإندفاعة قوية للحياة ولا ريب في ان ما قاله الإمام الصادق (عليه السلام) عن تشريح جسم الإنسان يكتب له بين المعاصرين له من المشتغلين بعلم الأحياء منزلة النبوة لا سيما وقد برهن التمحيص العلمي الدقيق نظرية الإمام الصادق بعد 12 قرنا ونصف قرن على إنها نظرية صحيحة حتى وإن كان الإمام الصادق لم يعطى أسماء معينة لأجزاء الجسم والمواد التي يحتوي عليها وقد قال الصادق (عليه السلام) ان العناصر الموجودة وفي الأرض وعددها 102 موجودة وفي جسم الإنسان بدرجات متفاوتة.
ربما قيل ان الصادق لم ياتٍ بإعجاز فكري ان الإسلام يقول ان الإنسان قد خلق من تراب وقد ثبتت عقيده المسلم على هذا منذ أن جاء القرآن فاين هو الجديد الذي اتى به الصادق حين قال ان المواد الموجودة في التراب موجودة ايضا في جسم الإنسان نعم ولكن نبوغ الصادق يتجلى في انه قسم هذه المواد والعناصر إلى ثلاثة اقسام يتضمن القسم الأول منه العناصر الأربعة التي توجد بوفرة ويتضمن الثاني ثمانية عناصر توجد في جسم الانسان درجة اقل، ويتضمن الثالث ثمانية عناصر أخرى هي اقلها توافرا.
والعلم الحديث في عصرنا اليوم يثبت ما قاله الإمام اذ ان العناصر الثمانية التي توجد في جسم الإنسان بمقدار ضئيل هي: (المولدنوم والسلينيوم والفلور والكوبلت والمغنيز واليول والنحاس والرصاص الخاصين) وأما العناصر الثمانية التي توجد في جسم الإنسان بكمية أكبر قليلا فهي المغنيسيوم والصوديوم والبوتاسيوم والكلوسيوم والفسفور والكلور والكبريت والحديد أما العناصر الأربعة التي توجد في جسم الإنسان بوفرة فهي: (الاكسجين والكربون والهيدروجين وال ازل النتروجين). صحيح ان الإمام الصادق لم يسمي هذه العناصر باسمائها العلمية المعروفة اليوم ولكنه استطاع تمييزها بعقله المستنير في حين ان العلماء المحدثين لم يتسن لهم الإهتداء إليها إلا بعد بحث وتحقيق علميين وتجارب واسعه وعمليات تشريع دقيقة استمرت منذ بداية القرن الثامن عشر الميلادي.
وكان لفرنسا والنمسا دور ريادي في اوروبا في علم التشريح وسبب الحظر التام الذي فرضته الكنيستان الكاثوليكية والارذوسي على تشريح الجثث وقد سارتهما في هذا التحريم البلدان الشرقية اختصر على اقتصر هذا الكشف العلمي على فرنسا والنمسا دون الدول الأخرى وحتى في هاتين الدولتين كانت عمليات التشريح تجري خفية خوفا من معارض الكنيسة حتى جاء طبيب الفرنسي مارا وطالب بضرورة التشريح لخدمة الإنسانية والعلم الطب واشترك مع العلامة الشهير الكيميائي لا فوزيه الذي اعدم في عام 1794 ميلادي في تحليل الأنسجة والخلايا في جسم الإنسان الوقوف على اسرارها ومكوناتها وبعد وفاة ما راى استمرت التجارب والتحليلات على جسم الإنسان وظلت هذه التجارب تجري طوال القرن التاسع عشر والى مطالع القرن العشرين.
واليوم أصبح التشريح امرا مألوفا في جميع دول اوروبا وسواها من دول العالم والمؤكد ان تقسيم العناصر الموجودة في جسم الإنسان والنسب الخاصة بكل منها تتفق في آراء الإمام الصادق مع التجارب التي اجريت في المراكز العلمية في دول العالم كله وعلى سبيل التوضيح نذكر أن الإنسان الذي يزن 45 كيلو غرام يحتوي جسمه على كيلوغرام من الكربون وهو عنصر من العناصر الأربعة التي توجد في الجسم بوفرة متوسطة المقدار تليها العناصر الثمانية القدر تتساوى، ونسب هذه العناصر في الجسم الإنسان سواء كان يعيش في القطب الشمالي ام في المنطقة الاستوائية فرقه بين اي اثنين في هذا اذا ما تساويا في الوزن والعمر هكذا جاءت تجارب العلمية التي اجريت في فترة تربو على 150 عاما مؤكدة في ذلك النظرية التي أتى بها الإمام الصادق (عليه السلام).
اضافةتعليق
التعليقات