في أول يوم مدرسي لي كمعلمة كنت أتصور أن الوضع سهل ویسیر ويمكنني أن أعطي الدروس لتلاميذي بكل سهولة ولكن عند دخولي مدرسة تضم في طياتها حوالي ألف تلميذة أدركت حينها صعوبة الأمر وأني اتعامل مع أرواح وأجساد لا أجساد فقط، فعرفت حينها فحوى قول الرسول محمد صلى الله عليه واله وسلم حين قال: (إنما بعثت معلماً)، فالمعلم الحقيقي هو الذي يعلّم طلابه من قلبه، لايملي عليهم مقولات من الكتب فقط فتستقر المعلومة برهة من الزمن وسرعان ماتشد رحالها ويبقى مكانها خالياً مقفراً، أما اذا علّم المعلم بقلبه وروحه واندمج مع هؤلاء الكائنات الصغيرة لوجد متعة في تعليمه تضاهي التعب الذي يلاقيه وهل كان نبينا محمد عليه آلاف السلام والتحايا مرتاحاً حين كان يعلّم أمة بأكملها فيها الغني وفيها الفقير وفيها المتكبر وفيها المتواضع ووو..
وعند دخولك للمدرسة تجد أمة مصغرة ايضاً فيها مختلف الطبقات ويجب عليك كمعلم أن تعامل كل حسب بيئته، إنه أمر متعب فعلاً ولكن مع مرور الزمن سوف تعقد صداقات مع اولئك الطلبة وتسمع قصص مؤلمة لطالبة تفقد حنان الأم فبدل أن تشمئز حين رؤيتها رثّة الثياب والاهمال باد على حالها تجد نفسك تفيض حزناً وألماً وتحاول مساعدتها قدر الإمكان وإن كانت الأم جنة لا تعوض، وقد تجد من لديه كل شيء وهو متكبر ومتعالي على الآخرين فتنصحه وترشده وتبين له أن الأمور لا تدوم لبشر وأن المتكبر يدخل النار فيدخل الفرحة في قلبك حين تراه يترك تلك الصفة ويتحول لإنسان آخر تماماً وتجده مفترشاً الأرض ويشارك اصدقائه في سفرة أو لعبة أو ماشابه.
وقد يعصي عليك أمر احدهم لسنوات ولاتستطيع تغييره فتكتفي بأن تكون لك اخلاق دمثة وسعة للبال وتجده يلين شيئاً فشيئاً ويترك ماكان عليه من حال، عالم التعليم عالم صعب وغريب جداً لمن دخله وسعى الى تأديته بصورة صحيحة وبعيدة عن الروتين فقديماً كان العنف سائداً للنظرية القائلة بأن المجتمع قد تعود على العنف ولكن وقفت ذات مرة أتأمل في قوله تعالى مخاطباً لرسوله (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ ۖ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ) ۖ 159 ال عمران.
فتسائلت في دواخلي من هم الذين لو عاملهم الرسول بخشونة سوف يرحلون ويبتعدون عنه؟ أليسوا هم الجاهلية، تلك القبائل التي اشتهرت بعصبيتها وهمجيتها وقسوتها، كان كل شيء لديهم قاس وجاف حتى أرضهم فهم يمشون على صحراء ولم يعرفوا الترف والرقة إلا ماندر فلماذا يتركون رسولهم إذا تعامل معهم بمثل أخلاقهم وبيئتهم التي نشأوا وترعرعوا بين طياتها!.
لأنهم بشر والبشر كما هو مفروض له أن يحمل بين ثناياه الإنسانية بكل ماتحمله من معنى ورسول الله (ص) قد جسد الإنسانية بكل زواياها في ذلك المجتمع الجاهلي فواجه من يعارضه ويهيل عليه الشتائم ولكن خرجت من مدرسة الانسانية نماذج ملأت الكون بعطرها الانساني الآخّاذ والذي لا زال الى يومنا هذا يفوح بأريجه، فمدرسة خرجّت علي سلام الله عليه وعمار وابا ذر وسلمان وووو حري بنا اتباعها والاقتداء برسولها علنا نخرّج جزءا من اولئك أو أشباها لهم كي لاتخلو الأرض من عطر الإسلام.
اضافةتعليق
التعليقات