يقال في قديم الزمان كان هناك ملك يخرج كل فترة ليتفقد القرى ويرى ما يحتاجه الناس وفي أحد الايام مر على قرية أهلها يشربون من نهر مليء بالطحالب والمياه فيه راكدة ولا يصلح حتى للحيوانات فأمر الملك حاشيته بوضع جُبّ ماء فبرز أحد الموظفين وقال هذا الجُبّ أصبح أملاك عامة ويجب أن نضع له حراس وأشخاص يملئونه يوميا لذلك نحتاج إلى ست حراس وعمال وبعد جلوسه وقف موظف آخر وقال: الجُبّ يحتاج إلى حبل ودلو واذا حصل فيه خلل ستحتاج إلى فنيين يصلحوه، وفي هذه الأثناء وقف موظف آخر وقال: هذه العملية تحتاج إلى شعبة حسابات لتوزيع رواتب الموظفين، وبعده وقف آخر يظهر عليه الالتزام والاحترام وقال: من يضمن أن كل هؤلاء سيعملون بانتظام، اذاً يجب أن نضع مشرف عليهم..
وعندها أمر الملك بتشكيل شعبة امور العاملين وأصبحت هناك سجلات حضور وغياب ومدير عام يشرف على كل شيء، وبعد عام قرر الملك زيارة هذه القرية وعندما وصل الملك رأى بناية ضخمة مكتوب عليها (الإدارة العامة لشؤون الجُبّ) وفيه شخص جالس وراء مكتب فخم وعليه قطعة مكتوب عليها (السيد المدير)، فسأل الملك عن البناية واجابه أحد الحاشية قائلا: مولاي كل هؤلاء الموظفين يهتمون بشؤون الجُبّ الذي أمرت ببنائه قبل عام، فتوجه الملك نحو الجُبّ فوجده فارغا ومحطم ومكتوب عليه: (تبرعوا من أجل إصلاح الجُبّ).
ثلاثة رؤساء ووزارة يتناوب عليها اربع وزراء وثلاث مائة وتسع وعشرون نائب (نائم) فيما اهل الجنوب يشربون ماء مالح وبينما يحدث كل هذا تطوف ارقام في ذاكرتي تارة ألف وتارة تتعدى الالف ميت ولكن مامعنى ميت، عندما تشن الحروب بالكاد ندرك معنى ميت وبما إن الانسان لانرى له وزنا إلا عندما يرى ميتا فإن ملايين الجثث التي رميت في التاريخ ليست إلا دخان في الذاكرة وذاكرتي اصبحت كبوق صدئ وجفنين ناعستين ارهقهما الظلم من سيادة احد اولئك الذين غادروا الحظيرة مؤخرا ظنا منه بعد التعطر والتهندم سيصبح انسان، لكن نسي ان الجذور تظهر انفسها بنهاية المطاف فيحاول بناء سد من الكذب فيكذب ويكذب بل وإنه ينافس الفاسدين ليثبت وطنيته ولكنه تناسى انه منهم ولربما الحرير الذي يغطيه كان قد أغلق عينيه فسرقوا ترابنا ورفعوا مراكبهم به ولم يبقوا لنا سوى ما يكفي لبناء قبورنا..
ياترى هل انا انظر من ثقب الباب ام ان ثقب قلبي ينتفض من رحلة الفرار التي باتت لا تتوقف ابدا في بلادي، بعضهم سلمهم لنا النهر والبقية لفوا بالاعلام وزفوا بالنشيد بعدها أدارت تلك الرؤوس انفسها فباتت عوائل شهدائها بالعراء، يقال في إحدى قصص التراث أن في زمن العثمانيين (كان هناك رجل لا يحمل أي صفة من صفات المراجل ورث بندقية من ابيه فوضعها في مضيف البيت وفي أحد الايام القرية المجاورة قررت غزوهم وهذا الرجل يقوم بإنزال السلاح ثم يعيده حتى دخل ابن عمه عليه وطلب منه السلاح لرد الغزو فرفض قائلا: وانا بمن سأحارب، وطال الحديث حتى دخل الغزو واخذوا كل شيء وأصبح هذا الرجل مثلا للناس لأنه لم يترك السلاح ولم يقاتل به)..
كحال المسؤولين لدينا متمسكين بمناصبهم لايحملون خيرا ولايتركونها لمن هم اكفأ منهم وتبدأ المجتمعات بالانهيار شيئا فشيئا ثم بعد هذا لا ينفع ندم ولا كلام، لا نغالي لو قلنا ان الكفاءة هي ركن من اركان التقدم الحضاري وأن الأمة التي تُغيب او تهمل اصحاب الكفاءة في مفاصل وجودها مصيرها الفشل، وفي نهج البلاغة الكثير من هذا الأمر ونحن ننقل نصاً واحداً يُظهر فيه الامام صفات الكفاءة ومن عدمها ووجوب التحري عنهم لكل حاكم او مسؤول قال عليه السلام (ولَا تُدْخِلَنَّ فِي مَشُورَتِكَ بَخِيلًا يَعْدِلُ بِكَ عَنِ الْفَضْلِ – ويَعِدُكَ الْفَقْرَ – ولَا جَبَاناً يُضْعِفُكَ عَنِ الأُمُورِ – ولَا حَرِيصاً يُزَيِّنُ لَكَ الشَّرَه بِالْجَوْرِ – فَإِنَّ الْبُخْلَ والْجُبْنَ والْحِرْصَ غَرَائِزُ شَتَّى – يَجْمَعُهَا سُوءُ الظَّنِّ بِاللَّه إِنَّ شَرَّ وُزَرَائِكَ مَنْ كَانَ لِلأَشْرَارِ قَبْلَكَ وَزِيراً – ومَنْ شَرِكَهُمْ فِي الآثَامِ فَلَا يَكُونَنَّ لَكَ بِطَانَةً – فَإِنَّهُمْ أَعْوَانُ الأَثَمَةِ وإِخْوَانُ الظَّلَمَةِ – وأَنْتَ وَاجِدٌ مِنْهُمْ خَيْرَ الْخَلَفِ – مِمَّنْ لَه مِثْلُ آرَائِهِمْ ونَفَاذِهِمْ – ولَيْسَ عَلَيْه مِثْلُ آصَارِهِمْ وأَوْزَارِهِمْ وآثَامِهِمْ – مِمَّنْ لَمْ يُعَاوِنْ ظَالِماً عَلَى ظُلْمِه ولَا آثِماً عَلَى إِثْمِه – أُولَئِكَ أَخَفُّ عَلَيْكَ مَئُونَةً وأَحْسَنُ لَكَ مَعُونَةً – وأَحْنَى عَلَيْكَ عَطْفاً وأَقَلُّ لِغَيْرِكَ إِلْفاً – فَاتَّخِذْ أُولَئِكَ خَاصَّةً لِخَلَوَاتِكَ وحَفَلَاتِكَ – ثُمَّ لْيَكُنْ آثَرُهُمْ عِنْدَكَ أَقْوَلَهُمْ بِمُرِّ الْحَقِّ لَكَ – وأَقَلَّهُمْ مُسَاعَدَةً فِيمَا يَكُونُ مِنْكَ مِمَّا كَرِه اللَّه لأَوْلِيَائِه – وَاقِعاً ذَلِكَ مِنْ هَوَاكَ حَيْثُ وَقَعَ والْصَقْ بِأَهْلِ الْوَرَعِ والصِّدْق (نهج البلاغة – خطب الإمام علي، عليه السلام)..
اضافةتعليق
التعليقات