الأخلاق الفاضلة والآداب الكريمة هي وعاء الإسلام، وهذا مايراه المتأمل في العبادات في الدين الإسلامي.
بلا شك إن المسلم مطالب بأن يكون حسن الخلق في كل وقت وحين، وهذا أمر معلوم، لكننا في رمضان مدعوين إلى مزيد من تهذيب النفس إلى جوار الأعمال الفاضلة الأخرى..
شهر رمضان، شهر أنزل الله عز وجل فيه القرآن الكريم، واختصه وميّزه عن غيره من الشهور بأنه شهر كامل تنصرف فيه عبادات عظيمة إلى الله عز وجل، فهو مخصوص بفريضة الصيام، وهو شهر تربى فيه الأمة على الأخلاق الفاضلة، وعلى التعلق بالله عز وجل تعلقاً عظيماً. وهو شهرٌ للمراجعة والتغيير والتربية والتهذيب للنفوس وهو مدرسة الأخلاق يقول - صلى الله عليه وآله -: ((والصيام جُنّة، وإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث، ولا يصخب، فإن سأله أحد أو قاتله فليقل: إني امرؤ صائم)).
وليس هذا على سبيل الجبن والضعف.. بل إنها العظمة والسمو، والرفعة التي يربي عليها الإسلام أتباعه، وإن من أعظم القيم والأخلاق التي يتربى عليها المسلم في هذا الشهر وفي هذه المدرسة الربانية خلق: "الصبر" الذي تدور حوله جميع الأخلاق وهو خلقٌ كريم ووصف عظيم، وصف الله به الأنبياء والمرسلين والصالحين، فقال تعالى: (فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُوا الْعَزْمِ مِنْ الرُّسُلِ).
فنَحن على مشارف الوَداع، تلاقينا مع الشهر الكريم، وعانقنا فيه الهدى، ورَجَونا من الله العفو، وأخذتْنا حرارةُ الدُّعاء وتلاوة الذِّكر، راقبْنا فيه رَبَّنا، فتحققتْ في أنفسنا - كلٌّ على قدر إخلاصه- تقوى الله - عزَّ وجلَّ - ومَحَّصتنا بفضل الله مدرسةُ الصيام، التي هي بحقٍّ مدرسة صناعة الإنسان الكامل، وتربية الأخلاق الشاملة، التي سعى إلى تَحقيقها في النفس البشرية علماءُ النفس، وعلماء التربية، وفلاسفة كل العصور.
فهل يُمكن أن تستمر معنا حالةُ رمضان إلى ما بعد رمضان، الذي أوشك على الرحيل؟، هل نَحفظ مقامه وهو المعلم الفذ، والأستاذ الأعز، الذي لو فقهنا، لكان منا تلامذة له في مدرسة الإنسان الكامل؟.
فلو أخذنا بتلك الأخلاق، واستثمرْنا آثارها، أيكذب الكاذب، أو يسرق السارق، أو يرتشي المرتشي، أو يُرابي المرابي، أو يعق العاقُّ، أو يفسد المفسِد بين الناس، في رمضان أو في غير رمضان؟ هذا الخلق الجليل يمكن أن يحل وحْدَه مآسِيَ تعيشها اليومَ الأمةُ الإسلامية؛ من خيانة، وسرقة، ولُصوصِيَّة، وكذب، حتى إنَّ الكذب صار خلقًا يكذب معه الكثيرون بلا مُبرر.
في رمضان: لو فقهنا فلسفته، فإنه يُعلمنا رقابةَ الله، وعندئذٍ نسلك مع أخلاقِ رمضان سلوكًا يصح مبدأ عامًّا، وعلى الصائم أن يدرك أن الآداب سياج يحيط بهذه العبادات، وإن الاخلاق الفاضلة ليست حكرا على الشهر الفضيل فمتى ما انتهى تلاشت تلك الدروس العظيمة، في ذلك الشهر الفضيل.
وبما أن الصيام من غاياته العظمى تحقيق التقوى، ومراجعة النفس والتزكية لها لما لحق بها من ضرر في الشهور التي سبقته لكي يرمم الإنسان نفسه، ويسمو بها عن المعاصي والرجوع إلى ما أمر الله به، ونهى عنه، يجب الاستمرار على ذلك الأستثمار العظيم في ذلك الشهر الفضيل للنفس والارتقاء بها في خدمة الأنسان لأخيه الأنسان.
والأخلاق هي عماد كل أمة ومتى ما ارتفعت كفة الأخلاق يزدهر البلد ويعيش الانسان بعزة وكرامة في بلده، ولا تتم التقوى عند العبد إلا إذا حسن خُلُقه مع عِباد الله تعالى، لذلك وجه النبي صلى الله عليه وآله الصائم إلى ضرورة التحلي بالحلم وحسن الخلق، حين قال مخاطباً الصائمين: "… وَالصِّيَامُ جُنَّةٌ فَإِذَا كَانَ يَوْمُ صَوْمِ أَحَدِكُمْ فَلاَ يَرْفُثْ يَوْمَئِذٍ وَلاَ يَسْخَبْ فَإِنْ سَابَّهُ أَحَدٌ أَوْ قَاتَلَهُ فَلْيَقُلْ إِنِّي امْرُؤٌ صَائِمٌ".. وذلك لأن بعض الناس يظن أنه بإحسانه عبادة الله مكنته أن يتخلى عن المعاملة الكريمة الحسنة مع الخَلق، فقد يقول البعض أنا مع الله وملتزم بجميع العبادات التي أمرني بها ولا يهمني أمرْ العباد فلا يقدم يد العون للآخرين.
فكما أنَّ في الصيام ترويضاً للجسد، وتقوية للإرادة على رفض الخضوع للشهوات، والسقوط تحت وطأة الاندفاعات الحسّية الهلعة، يجب أن يعي المؤمن أن الله رقيباً عليه في بقية الشهور، وأن الصبر على الطاعة وترويض النفس يجلب للعبد الراحة والطمأنينة والسعادة ويكتب له القبول عند الله.
فمتى ماتحقق الكمال في شخصك - أيها المسلم - فافرح بما عند ربك، وعليك أن تعي دروسَ الصيام في مدرسة رمضان، وخُذ أخلاق رمضان بشدة وعَضَّ عليها، ولا تفرِّط فيها بعد ذلك أبدًا، أنت مراقب لربك، تعزم على الخير، وتُحققه بإرادتك بحول الله، تصبر على الضرِّ من أيِّ لون؛ ابتغاءَ وجه الله، تَعفُّ لسانَك عمَّا يُسيء، تنفق بكرم في سبيل الله، تتكافل مع الفقير والمسكين، أنت الإنسان الكامل.
فينبغي أن نربي أنفسنا على الأخلاق الفاضلة ونجعلها سلوك نتعامل بها في واقع الحياة قبل أن يأتي يوم لابيع فيه ولا شراء - عن رسول الله - صلى الله عليه وآله - أنه قال: ((أتدرون من المفلس؟، قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع، فقال - صلى الله عليه وسلم -: إن المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة، ويأتي وقد شتم هذا وسب هذا، وقذف هذا، وأكل مال هذا، وسفك دماء هذا، وضرب هذا، فيعطى هذا من حسناته وهذا من حسناته فإن فنيت حسناته قبل أن يقضي ما عليه أخذ من خطاياهم فطرحت عليه ثم طرح في النار)).
فكن حصنا منيعاً وحافظ على الدروس العظيمة في شهر رمضان وارفع قبعة التخرج عالياً من تلك المدرسة العظيمة لتباهي بأخلاقك وسموك على بقية الأمم، فنحن خير أمةٍ أُخرجتْ للناس.
اضافةتعليق
التعليقات