لاحت أياديهم في السماء وهم يرمون بقبعاتهم معلنين انتهاء مشوارهم التعليمي, إذ سجلوا بذلك لحظات خالدة في أروقة ذكرياتهم, كانت تلك هي ختام مراسيم كرنفال حفلات التخرج, والتي تعد تقليداً سنوياً يعيشــه طلبة الجامعات في المرحلة الأخيرة من حياتهم الدراسية لتوديع نهاية الحياة الجامعية, لكنها اختلفت مؤخراً لتخرج عن طابعها التقليدي, حتى أثارت الجدل وامتعض الكثير, الأمر الذي دعا الجهات المعنية بإصدار قرار منعها ومحاسبة المخالفين, وهنا تداولت الآراء حول إن كان هذا القرار مجحف أم منصف!.
في صدد هذا الموضوع كان لـ (بشرى حياة) هذه الجولة الاستطلاعية:
حرية شخصية
قالت نوال عبد الرزاق/ طالبة كلية الفنون الجميلة: أرى أن حفلات التنكر يعد تغييرا, وتجديدا, وحرية شخصية, ولكن بعضهم بالغ بها حتى أصبحت محط سخرية واهانة للجامعة نفسها.
وتابعت بالقول: وما يخص طقوس الحنة, أو الجلسات التصويرية فهو شيء مبتكر يواكب الحداثة, ولنفس السبب امتعض الكثير مما جعلني أنا وزملائي نلغي فكرة الجلسة التصويرية, واكتفينا بصورة جماعية مع الأساتذة بزي التخرج.
حينما تجولنا في أروقة الجامعة وجدنا تضاربا للآراء بين الطلبة فقد أعرب بعضهم عن مقتهم لهكذا قرار إذ يصادر حريتهم.
وهناك من يرى أن قرار الوزارة كان منصفاً, لتكون الحفلات بمستوى حضاري وذوق يتماشى مع المستوى العلمي, والثقافي, وواجهة مشرفة, لكونها أصبحت تتمثل بالتباهي, وفي سباق وتنافس لابتكار أفكار جديدة بين الجيد والرديء, ليتسارعوا في نقلها عبر وسائل التواصل المختلفة, مما أثارت امتعاض البعض منهم.
خارج أسوار المألوف
وأشار بالقول الطالب الجامعي حسن علاء زيني: إن موضوع الحفلات شيء رائج عالميا, غير أن بعض الجامعات جعلوا من حفلة التخرج, حفلة راقصة أكثر من كونها حفلة فرح بالتخرج.
فضلاً عن جلسات التصوير التي خرجت عن أسوار المألوف, من خلال الأزياء التي يكون بعضها منافيا لمجال عملهم الانساني, وغيرها من الجلسات التي تثير النفور والاشمئزاز وهناك من تكون عكسها.
وتابع قائلاً: هناك جانب مهم وهو الجانب المادي إذ تكون هذه الجلسات والحفلة مكلفة للغاية, وهناك طلبة لا يملكون المال الكافي لتغطية النفقات التي لابد منها خوفا من الوقوع بالحرج إن تعذروا لعدم المشاركة بها, حيث إن الأمر يتطلب إعداد ميزانية تتراوح بين (500 ألف او مليون دينار) إذ يلجأ البعض للعمل المتواصل لتوفير المبلغ المطلوب أو اللجوء لاقتراض المال.
وهنا أجد أن وزارة التعليم العالي اتخذت القرار الأصلح.
وأضاف على ما قاله الزيني المهندس والناشط المدني محمد الدعمي قائلاً: أنا مع هكذا قرارات تحافظ على هيبة الجامعات ومكانتها ولا أرى أنه مجحف, فمن يريد أن يقيم طقوساً خاصة لحفلة تخرجه فمن حقه جدا ولكن ليقيمها في قاعة خاصة وليس في الحرم الجامعي, كما أتمنى من أخوتي الطلبة أن يعكسوا وجهاً حضارياً لحفلات تخرجهم, وما أجمل لو ارتبطت فعاليات الحفلات وأزيائها كلٌ وتخصصه العلمي.
كانت هناك مقترحات حول قرار الوزارة الذي يراه البعض غير منصف, إذ ينص على أن تشكل الهيئة الادارية في الجامعة لجنة خاصة تتابع تنظيم الحفلات ومناقشة كل قسم للأزياء التي سيرتدونها لتكون ضمن ضوابط خاصة لا تنافي الذوق العام, وبهذا يتوقف النزاع بين الطلبة لقرار وزارة التعليم.
ثم انتقلنا الى الجهات المتابعة والمعنية, لتفصح لنا عن رأيهم بهذا الجانب:
قرار صائب
بينَ عبد الامير الكناني/ اعلامي: حسب متابعتي البسيطة لحفلات التخرج, أرى أنها اختلفت كثيرا من تأثر الجيل الحالي (بالصرعات والتقليعات) والممارسات الوافدة إلينا والتي لا تمثل طبيعة بلدنا الديني, ومجتمعنا القبلي وحياتنا الاجتماعية المحافظة, فضرب بعض المتخرجين كل هذه الأصول عرض الجدار, وظهروا لنا بممارسات خلال حفلات التخرج لا تمت لأصالة مجتمعنا بصلة.
مشيراً: قد جاء ذلك من انعدام الضوابط الأسرية, والمجتمعية, وحتى الدراسية إذ في السابق لم تكن هذه الممارسات, حيث كان الجانب العلمي, والثقافي, والتربوي هو الضابط لتصرفات الطلبة, وهو رقيب داخلي ينشأ معه, ونظرا لما وصل الحال إليه أرى أن تدخل مؤسسات الدولة الرقابية والتربوية, في تشريع قوانين للحفاظ على حرمة التعليم وهيبة الجامعات, كان قرارا صائبا يعيدنا لأصالة الأخلاق والسلوك والتقويم.
صور غير مشرفة
ويؤيده الرأي الدكتور محمد علي تومان الگريطي/ أستاذ جامعة الفرات الأوسط التقنية قائلاً: أنا من المؤيدين لحفلات التخرج المنضبطة والملتزمة بالأعراف والتقاليد الجامعية الرصينة والتي تحترم الذوق العام ولا تسيء إلى التعليم والطالب الجامعي.
وأضاف: من حق الطالب أن يحتفل بتخرجه مع زملائه الطلبة ولكن بطريقة مهذبة ويلتقط الصور التذكارية مع أساتذته وزملائه، إلا أننا لاحظنا بعض حفلات التخرج خرجت عن الأطر الاجتماعية وأصبحت تشكل حالة سيئة، فهناك الهتافات الطائفية والقومية، التي تثير التوجس, وهناك من ارتدى زي غير مقبول وبشكل مبتذل جدا, وللأسف هذه أمور غير لائقة خصوصاً في الحرم الجامعي، إذ تنقل صور غير مشرفة لباقي الدول العربية وحتى الأوربية.
ختم حديثه: لتكن احتفالاتنا حضارية تعكس القيم السامية, والأخلاق الحميدة, لتصبح مقبولة لدى المجتمع.
في رحاب الروضتين
وفي لقائنا مع مؤسس جامعة أهل البيت (عليه السلام) في محافظة كربلاء الدكتور محسن القزويني قال:
أصدرت دائرة التعليم الجامعي مشكورة تعميما بتاريخ 26/2/2019 قرارا منعت بموجبه احتفالات التخرج التي تتناقض مع الأعراف الجامعية في ارتداء الأزياء التنكرية وما شابه ذلك.
وقد حرصت جامعتنا أن يكون لاحتفال التخرج أثر في نفوس طلبتنا وأهاليهم, فقد تبنت ومنذ ست سنوات إقامة حفل التخرج في حرم الامام الحسين وحرم أخيه العباس (عليهما السلام).
إذ تنطلق مواكب الخريجين بأروابهم الجامعية باتجاه الحرمين الشريفين ليؤدوا قسم التخرج أمام امامهم وسيدهم الحسين (عليه السلام) ثم تلقى كلمة الخريجين وبعدها يتوجهون إلى حرم العتبة العباسية لإتمام المراسيم وتناول وجبة الغداء في المضيف.
وتابع قائلاً: سيقوم الخريجون في يوم تخرجهم هذه المراسيم التي أصبحت عادة سنوية لجامعتنا, وقد اقتفت بعض الجامعات العراقية هذا الأسلوب.
من هنا ندعو الجامعات العراقية الأخرى أن تعتمد هكذا طقوس لحفلات التخرج, حيث يكون في رحاب الروضتين المقدستين, والتي توافق مع متطلبات البيئة العراقية, وينسجم مع قرارات وزارة التعليم العالي والبحث العلمي.
اضافةتعليق
التعليقات
العراق2019-06-01
العراق2019-06-01