(التعصب هو التمسك برأي أو موقف والتشبث به وهو لا يدري أن هذا الموقف صائب أم غير صائب فهو اتخاذ موقف واتجاه نفسي جامد مشحون انفعالياً ببعض المعتقدات والأفكار والاتجاهات الخاصة بالمساوىء والعيوب التي يراها فرد أو جماعة أقلية عنصرية أو جماعة أخرى. وهو اتجاه مكتسب قد يكون مأخوذاً من الوالدين أثناء عملية التنشئة الاجتماعية أو من الأشخاص المحيطين بالفرد الذين يكونون بمثابة ميزان لاستجاباته وانفعالاته بمواقفهم.
فالتعصب يثير مشاعر ودوافع عدوانية مكبوتة لا توجد إلا في النفوس المليئة بالانفعال ومشاعر العدوان والإحباط والتي تبحث عن كبش فداء تلقي عليه كل أخطائها وعيوبها حيث تجد في ذلك تنفيساً لأحاسيسها ومشاعرها المكبوتة الأمر الذي يعوق الإدراك الحسن ويحرف الفهم ويضعف الفكر حين تتداخل المعايير الثقافية والقيم الاجتماعية وخبرات الماضي وما يرافقها من مشاعر وانفعالات واختلاف الفروق الفردية...).
معنى التعصب:
مما تقدم فإنّ التعصب حالةٌ مرضية نفسية لا تتصل بفرد متعصب... بل قد تتجاوز الفرد إلى الجماعة أو الأسرة أو حتى إلى القبيلة كلها وجماعة من الرجال ما بين العشرة إلى الأربعين شخصاً، والتعصب ضد الإلتزام ودلالته في القرآن الكريم هي (الاستقامة)، قال الله تعالى "فلذلك فادع واستقم كما أمرت ولا تتبع أهواءهم"...
الإسلام يدعو إلى الاستقامة والالتزام وعدم اتباع الأهواء والجهل يدعو للتعصب وهو حقيقة واقعة في حياة المسلمين فهي اللبنة الأولى التي تُبتنى عليها الصراعات الفكرية فتولد كثرة المنازعات واشتداد الخلافات فيحتدم الصدام بين أفراد المجتمع الواحد ونرى في بعض المذاهب من يُكفر بعضهم الآخر دون برهان ولا دليل، وذلك بسبب عدم تقبل الآراء المختلفة وتبني الأطروحات وجعلها موضعاً للنقاش فهم بذلك وضعوا أنفسهم رهن التعصب الأعمى.
وإذا رأينا بعضهم متمسك بعقيدته قبل أن يقتنع بالحاضر فذلك من حقه فلا ينبغي لومه على التزامه وحبه لعقيدته، إذ لا يمكن للعاقل الفاهم أن يترك اعتقاده بمجرد وقوع رأي مخالف لما تربى عليه حتى يتضح له أمر صوابية أو خطأ ذلك الرأي مع الالتزام بالتقاليد فلا يثبت على تعاليمه القديمة بل يتماشى مع الحاضر. فيجب على المؤمن أن يدافع عن عقيدته بوعي وليس بتعصب أعمى عند وضوح الحقيقة فيتواضع لها ويبادر بالعفو.
(هكذا كان يفكر الخط الواعي في الأمة ويتعامل مع الاختلافات المذهبية بسعة أفق ورحابة صدر، بينما عانت الأمة الويلات والمآسي من تصرفات وممارسات خط التعصب المذهبي والإرهاب الطائفي، أولئك الذين كانوا يعتقدون ان الحق منحصر في آرائهم، والجنة لا تتسع لغيرهم ويجيزون لأنفسهم محاسبة الناس ومحاكمتهم على اعتقاداتهم وانتماءاتهم ويعتبرون الرأي الآخر جريمة لا يطيقون سماعه فضلاً عن نقله واحترامه).
هل التعصب لأجل الحق باطل؟
لا تجادل في الحق، فعاقبته واضحة – خير ورفاه – فيجب أن يكون محوراً لحياتنا وأن نسارع بإتباع الحق مهما قيل عنا، قال تعالى: "قل يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم غير الحق" فقد نهى الله تعالى عن الغلو في الدين لأن الغلو مفتاح للشرك بينما استثنى منه الحق حيث الدفاع عن الحق لا يكون غلواً، وقال تعالى "ليحق الحق ويبطل الباطل ولو كره المجرمون" فالتعصب للحق غير سيء والدفاع عنه لا يعتبر باطلاً فلا يحق لأي شخص أن يحاسب الآخر على دينه أو عقيدته أو فكره فذلك الأمر موكول لرب الخلق يوم الحساب.
قال الله تعالى: "ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدواً بغير علم كذلك زينا لكل أمة عملهم ثم إلى ربهم مرجعهم فينبئهم بما كانوا يعملون"، وقال الإمام الصادق عليه السلام: "من تعصب عصبه الله عز وجل بعصابة من نار"، وعن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "من تعصب له فقد خلع ربق الإيمان عنقه"، ويصل التعصب المذهبي ببعضهم إلى من يدفعه للابتعاد عن بعض السنن والأعمال رغم شرعيتها لتداولها عند أهل مذهب خلافاً لقوله تعالى: "الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه"، فقد ذكر الزرقاني في المواهب الدنية في صفية عمة النبي صلى الله عليه وآله وسلم على رواية علي عليه السلام في إسدالها على منكبيه بن عمه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ثم ذكر قول الحافظ العراقي ان ذلك أصبح شعار كثير من فقهاء الإمامية فينبغي تجنبه لترك التشبه بهم!!.
وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "من كان في قلبه حبة من خردل من عصبية بعثه الله يوم القيامة مع أراب الجاهلية". فليس من الضروري أيها الأخوة أن نكون دائماً على صواب، فيجب أن نحرر أنفسنا من هذه الفكرة ونتعامل مع من يخالفوننا الرأي بالحكمة.
اضافةتعليق
التعليقات