معرض الكتاب الدولي في بغداد هو أحد أهم الأحداث الثقافية في العراق، يجمع بين الناشرين المحليين والعالميين، ويُعدّ فرصة لعرض أحدث الإصدارات الأدبية والعلمية. يجذب الزوار من مختلف الأعمار، ويشكل الشباب جزءًا كبيرًا من رواده.
ومع ذلك، يلاحظ عزوف ملحوظ من الشباب عن شراء الكتب، مما يطرح تساؤلات حول أسباب هذه الظاهرة. حيث تتجول الأعين بين أجنحة المعرض المزدحمة بمئات العناوين، وتتلاقى أصوات القراء والمثقفين وسط أجواء غنية بالأنشطة الثقافية والفعاليات الفكرية.
ومع كل هذا الزخم، يُلاحظ وجود فئة كبيرة من الشباب الذين يأتون للمعرض كزوار دون أن يعكس حضورهم حركة شرائية واضحة. مشهد التجول بين الأجنحة، والتقاط الصور مع عناوين الكتب دون الشراء أصبح شائعًا. بالنسبة للكثير منهم، يبدو الهدف هو الحضور الاجتماعي والاطلاع، أكثر من الاهتمام الفعلي باقتناء الكتب.
تتعدد الآراء حول هذه الظاهرة، لكن القاسم المشترك هو أن هناك فجوة واضحة بين حب الاطلاع والرغبة الفعلية في اقتناء الكتب. بعض الزوار يعتبرون المعرض فرصة للتعرف على العناوين الجديدة أو التواصل مع المؤلفين، لكنهم يعزفون عن الشراء بسبب أسباب عدة مرتبطة بالواقع الاقتصادي والاجتماعي والثقافي.
من ناحية أخرى، يشكل تراجع ثقافة القراءة التقليدية تحديًا كبيرًا، حيث تغيرت اهتمامات الشباب في ظل هيمنة التكنولوجيا ووسائل الإعلام الحديثة. الملاحظ أن كثيرًا من الشباب باتوا يستهلكون المحتوى بشكل أسرع وأقل تركيزًا، مما أثر على تفضيلهم للكتب الورقية المطولة. مع هذه الخلفية، يأتي السؤال: ما الذي يمكن فعله لإعادة جذب الشباب نحو شراء الكتب؟.
عند النظر إلى أسباب عزوف الشباب عن شراء الكتب في معرض الكتاب الدولي، نجد أن الجانب الاقتصادي يشكل أحد أهم العوامل المؤثرة. إذ يعاني العديد من الشباب من محدودية الدخل، وهو ما يدفعهم إلى تفضيل الكتب الرقمية أو المجانية المتاحة عبر الإنترنت على شراء النسخ الورقية التي غالبًا ما تكون مرتفعة الثمن. ومع غياب خطط دعم موجهة لتشجيع الشباب على الشراء، تصبح الكتب الورقية أقل جاذبية لهم، خاصة في ظل الخيارات الرقمية المتاحة بسهولة ودون تكاليف تُذكر.
إضافة إلى ذلك، تغيرت اهتمامات الشباب بشكل ملحوظ في عصر التكنولوجيا. أصبحوا يميلون إلى استهلاك المحتوى السريع الذي تقدمه الإنترنت، مثل المقالات القصيرة ومقاطع الفيديو التعليمية، بدلاً من الغوص في الكتب الطويلة التي تتطلب وقتًا وجهدًا. هذا التحول في نمط الاستهلاك الثقافي أدى إلى تراجع رغبتهم في اقتناء الكتب الورقية، حيث باتت قراءة كتاب كامل تبدو للكثيرين وكأنها مهمة مرهقة مقارنةً بالسهولة التي يقدمها المحتوى الرقمي.
لكن المشكلة لا تتوقف عند هذا الحد، إذ يعاني الشباب أيضًا من غياب ثقافة القراءة كجزء أساسي من حياتهم اليومية. ورغم الجهود المبذولة لتعزيز هذه الثقافة، ما زالت هناك فجوة واضحة في تحويل القراءة إلى عادة يومية. يزور العديد من الشباب المعارض بدافع الترفيه أو للتواجد الاجتماعي، أكثر من اهتمامهم الحقيقي بالكتب. هذا السلوك يعكس نقصًا في الوعي بأهمية القراءة الورقية وأثرها العميق في تطوير الفكر والشخصية.
من جانب آخر، انتشار البدائل الرقمية مثل الكتب الإلكترونية والمنصات المجانية سهل على الشباب الوصول إلى المحتوى دون الحاجة لشراء النسخ الورقية. هذه البدائل تقدم حلاً سريعًا وفعالاً للوصول إلى المعرفة، لكنها في الوقت ذاته تقلل من اهتمام الشباب بالكتب الورقية وتؤثر على مبيعاتها. علاوة على ذلك، يفتقر الكثير من الشباب إلى التوجيه الكافي في اختيار الكتب المناسبة، مما يجعل زيارتهم للمعرض غير مثمرة. يتجول البعض دون أهداف واضحة، ويغادرون دون شراء، لأنهم ببساطة لم يجدوا من يساعدهم على انتقاء الكتب التي تتناسب مع اهتماماتهم ومستواهم الثقافي.
للحد من هذه الظاهرة وتعزيز إقبال الشباب على شراء الكتب، ينبغي على إدارة معرض الكتاب اتخاذ خطوات جادة. من بين هذه الحلول، تقديم حسومات مغرية وعروض خاصة تستهدف الشباب، مما يجعل الكتب الورقية أكثر جذبًا لهم من الناحية الاقتصادية. بالإضافة إلى ذلك، يمكن تنظيم فعاليات تفاعلية، مثل ورش العمل والندوات، التي تتيح للشباب فرصة الالتقاء بالمؤلفين والتفاعل معهم بشكل مباشر، مما يعزز ارتباطهم بالكتب.
إطلاق حملات توعية تُبرز أهمية اقتناء الكتب الورقية كجزء من الثقافة الشخصية يمكن أن يكون له أثر إيجابي كبير. كذلك، يمكن إشراك الشباب أنفسهم في إدارة بعض الفعاليات، مما يمنحهم شعورًا بالانتماء ويحفزهم على المشاركة بشكل أكبر في هذا الحدث الثقافي المهم. بهذه الجهود، يمكن أن يصبح معرض الكتاب الدولي تجربة متكاملة تجمع بين الترفيه والمعرفة، وتعيد للشباب شغفهم باقتناء الكتب.
قضية عزوف الشباب عن شراء الكتب في معرض بغداد تمثل تحديًا ثقافيًا واقتصاديًا يحتاج إلى معالجة جادة ومبتكرة. من خلال استراتيجيات ملهمة تهدف إلى تعزيز شغف الشباب بالقراءة واقتناء الكتب، يمكن للمعرض أن يسهم في خلق بيئة تدعم بناء جيل مثقف وواعٍ، قادر على التفاعل مع متغيرات العصر دون التخلي عن قيمة المعرفة المكتوبة.
اضافةتعليق
التعليقات